اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 276
الباب الثاني و الثلاثون في الصبر
الصبر زمام سائر الخصال، و زعيم الغنم و الظّفر، و ملاك كل فضيلة، و
به ينال كل خير و مكرمة، قال الله تعالى: وَ تَمَّتْ
كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا [الأعراف: 37] و قال تعالى: إِنَّما
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ
[الزمر: 10] فمعظم وظائف الدين ذكر الله و رسوله جزاء معلوما لمن أقامها، إلا
الصبر، فإنه بغير حساب.
و قال تعالى: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا
[السجدة: 10]، قيل: عن الدنيا.
و قال ابن عيينة[1] لما
أخذوا برأس الأمر، جعلهم الله رؤساء.
و قال تعالى: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ
أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ [الحجر: 97].
و قال تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ
لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ
الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
[الأنعام: 33].
و قال تعالى: وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً
كَثِيراً [آل عمران: 186].
ثم ندبهم إلى الصبر مع وجود الأذى، فقال:
وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران: 186].
فالصبر: حبس النفس على الأوامر و المكاره، و عن النواهي و المعاصي، أ
لا ترى أن أهل الجنة نودوا فقيل لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما
صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: 24] فأخبر الله
تعالى: أنه أثابهم جنته بصبرهم، يعني صبرتم على طاعة الله، و صبرتم عن معصية الله.
قال تعالى: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِ
[الكهف: 286] أي أحبس نفسك ... الآية.
فمن أمارات حسن التوفيق، و علامات السعادة: الصبر في الملمّات، و
الرفق عند النوازل.
[1] - ابن عينيه: هو سفيان بن عيينة المحدّث و العالم
الكبير سبقت ترجمته.
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 276