اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 204
و الآحاد فضائل، و لا شك أن كثرة الفضائل
فضيلة، أما الشىء المحدود، فتكون الزيادة فيه نقصا من المحدود، كالتّهور فى
الشجاعة، و التبذير فى الكرم.
و أما الزيادة فى العقل المكتسب، فزيادة علم بالأمور، و حسن إصابة
بالظنون، و معرفة ما لم يكن بما قد كان، و روى عن النبى (صلى اللّه عليه و سلم)
قال: «أفضل الناس أعقل الناس» و قال 7: «العقل حيث كان ألف مألوف»[1].
و قال القاسم بن محمد[2]: من لم
يكن عقله أغلب خصال الخير عليه، كان حتفه فى أغلب الخصال عليه.
و لما مات بعض الخلفاء، احتشدت الروم و اجتمعت ملوكها، و قالوا: الآن
يشتغل المسلمون بعضهم ببعض فيمكننا الغرّة[3]
منهم و الوثبة عليهم، و ضربوا فى ذلك مشاورات، و تراجعوا فيه بالمناظرات، و أجمعوا
على أنها فرصة الدهر و ثغرة النحر[4]، و كان
رجل منهم من ذوي الرأي و المعرفة غائبا عنهم فقالوا: من الحزم عرض الرأي عليه،
فلما أخبروه بما أجمعوا عليه، قال لا أرى ذلك صوابا، فسألوه عن علّة ذلك؟ فقال:
غدا أخبركم إن شاء الله.
فلما أصبحوا، غدوا عليه للوعد، و قالوا: لقد وعدتنا، قال: نعم، فأمر
بإحضار كلبين عظيمين قد أعدّهما، ثم حرّش بينهما، و ألّب كلّ واحد على الآخر،
فتواثبا و تهارشا، حتى سالت دماؤهما، فلما بلغا الغاية، فتح باب بيت عنده، و أرسل
منه على الكلبين ذئبا عنده قد أعدّه، فلما أبصراه تركا ما كانا عليه، و تآلفت
قلوبهما، و وثبا جميعا على الذئب فنالا منه ما أحبّا.
[1] - الحديثان ضعيفان. ذكر العجلوني الحديث الأول في
كشف الخفاء 1/ 571. قال الشيخ الألباني: إن كل ما ورد في فضل العقل من الأحاديث لا
يصح منها شيء و هي تدور بين الضعف و الوضع .. و نقل عن العلامة ابن القيم قوله(
أحاديث العقل كلها كذب)( سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة ج 1/ 13 و ج 3/ 410).
[2] - القاسم بن محمد: حفيد أبي بكر الصديق و أحد
الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة، توفي سنة 107 ه فكان صالحا من سادات التابعين(
الأعلام 5/ 181).
[3] - الغرة منهم: أي مفاجأتهم و أخذهم على حين غرة.
[4] - ثغرة النحر: نقرة النحر بين الترقوتين و هو تعبير
يعني القدرة على اختراق العدو من نقطة ضعفه.
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 204