اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 194
بالعلم قوية، و دراسة طويلة، فكيف يكون
حاله، لو لم يعد لهذه الأمور عدتها، و لم يقدم لها أهبتها!.
و الثاني: أن من سواه من الناس لا يعدمون من ينكر عليهم و يعارضهم، و
يذكر لهم مساوئهم، و يخالفهم في مذاهبهم، فيكون ذلك مما يعينهم على رياضة أنفسهم و
يعلّمهم مراشدهم[1].
و مناظرة الأكفاء، و معاشرة النظراء: تلقيح للعقول، و تهذيب للنفوس[2]، و تدريب لمآخذ الأحكام، بخلاف
السلطان، فإن ارتفاع درجته يقطع عنه جميع ذلك، إذ لا يلقاه و لا يجالسه إلا معظّم
لقدره، مبجّل لشأنه، و ساتر لمساوئه، و مادح له بما ليس فيه. و إنما جوابهم له؛
صدق الأمير.
و على قدر المرتبة، يكون علو السّقطة، كما أن على قدر ارتفاع الحائط
يكون صوت الوجبة[3].
يا أيّها الملك: ليس أحد فوق أن يؤمر بتقوى الله، و لا أحد دون أن
يأمر بتقوى الله، و لا أحد أجلّ قدرا من أن يقبل أمر الله، و لا أرفع خطرا من أن
يتعلم حكم الله، و لا أعلى شأنا من أن يتّصف بصفات الله، و من صفات الله تعالى
العلم الذي وصف به سبحانه نفسه، و تمدح بسعته، فقال تعالى:
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ [البقرة: 255] و الكرسي هو العلم، و الكراسي هم العلماء.
و إذا كان العلم فضيلة، فرغبة الملوك و ذوي الأخطار و الأقدار و
الأشراف و الشيوخ فيه أولى، لأن الخطأ فيهم أقبح، و الابتداء بالفضيلة فضيلة.
حكي أن: إبراهيم بن المهدي[5]
دخل على المأمون و عنده جماعة
[5] - ابراهيم بن المهدي: هو عم الخليفة المأمون و أخو
هارون الرشيد، ولاه الرشيد إمرة دمشق و لما انتهت الخلافة للمأمون اتخذ فرصة
اختلاف الأمين و المأمون للدعوة لنفسه فبايعه كثيرون، فطلبه المأمون فاستتر فهدر
دمه فجاءه مستسلما فسجنه، ثم عاتبه المأمون فاعتذر فعفا عنه. و قد اشتهر بالغناء،
توفي سنة 224 ه( الأعلام 1/ 59).
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 194