responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 193

الباب الحادي و العشرون في بيان حاجة السلطان إلى العلم‌

قال ابن المقفع‌[1]: إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان، فلا يعجبك ذلك، فإن زوال الكرامة بزوالهما، و لكن يعجبك إن أكرموك لأدب أو علم أو دين.

اعلم- أرشدك اللّه- أن أكثر الناس حاجة إلى النفقة أكثرهم عيالا و أتباعا و حشما و أصحابا، و الخلق مستمدون من السلطان ما له من الخلائق السنية[2]، و الطرائق العلية، مفتقرون إليه في الأحكام، و قطع التّشاجر، و فصل الخصام، فهو أحوج خلق الله إلى معرفة العلوم، و جمع الحكم.

و شخص بلا علم كبلد بلا أهل، و أفضل ما في السلطان خصوصا و في الناس عموما، محبة العلم و التحلّي به، و الشوق إلى استماعه، و التعظيم لحملته، فإن ذلك دليل على قوة الإنسانية فيه، و بعده من البهيميّة، و مضاهته للعالم العلوي، و هو من أوكد ما يتحبّب به إلى الرعية، و إذا كان الملك خاليا من العلوم ركب هواه، و أضر برعيته، كالدابة بلا رسن، تمر في غير طريق، و قد تتلف ما تمر به.

و اعلم: أن زهر الفضائل، و حسن المناقب، و بهاء المحاسن، و ما ضادّ ذلك من قبح المثالب، و فحش الرذائل، كل ذلك يظهر عليك و يعظم منك، بقدر ما أوتيته من علوّ المنزلة، و شرف الحظوة[3]، فيكون حسنك أحسن، كما يكون قبحك أقبح.

و ليس أحد من أهل الدرجات السّنية، و المراتب العليّة، أحوج إلى مجالسة العلماء، و صحبة الفقهاء، و دراسة كتب العلوم و الحكم، و مطالعة دواوين العلماء، و مجامع الفقهاء، و سير الحكماء من السلطان، و إنما كان كذلك من وجهين:

أحدهما: أنه قد نصب نفسه لممارسة أخلاق الناس، و فصل خصوماتهم، و تعاطي حكوماتهم، و كل ذلك يحتاج إلى علم بارع، و نظر ثاقب، و بصيرة


[1] - ابن المقفع: عبد اللّه بن المقفع، سبقت ترجمته.

[2] - الخلائق أو الدرجات السنية: السنة الرفيعة.

[3] - الحظوة: علو المكانة عند الناس.

اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر    الجزء : 1  صفحة : 193
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست