اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 153
الباب الثامن فى منافع السلطان و مضارّه
قال حكماء العرب و العجم: مثل مضارّ السلطان فى جنب منافعه، مثل
الغيث: الذى هو سقيا الله تعالى، و بركات السماء، و حياة الأرض و من عليها، و قد
يتأذّى به المسافر، و يتداعى له البنيان، و تكون فيه الصواعق، و تدرّ سيوله، فتهلك
الناس و الدّواب و الذّخائر، و يموج له البحر، فتشتدّ بليّته على أهله، و لا يمنع
ذلك الخلق- إذا نظروا إلى آثار رحمة الله تعالى فى الأرض التى أحيا، و النبات الذى
أخرج، و الرزق الذى بسط، و الرحمة التى نشر- أن يعظّموا رحمة ربهم و يشكروها، و
يلغوا ذكر خواص الأذية التى دخلت على خواصّ الخلق.
و مثاله أيضا مثل الرياح التى يرسلها الله تعالى نشرا بين يدى رحمته،
فيسوق بها السحاب، و يجعلها لقاحا للثّمرات، و رواحا للعباد، و يتنسّمون منها، و يتقلّبون
فيها، و تجرى بها مياههم، و تتّقد بها نيرانهم، و تسير بها فى البحر أفلاكهم، و قد
تضرّ بكثير من الناس فى برّهم و بحرهم، و تخلص إلى أنفسهم، فيشكرها الشاكرون، و قد
يتأذّى بها كثير من الناس، و لا يزيلها[1]
ذلك عن منزلتها من قوام عبادته، و تمام نعمته.
و مثاله أيضا، مثال الشتاء و الصيف: الذين جعل الله تعالى حرّهما و
بردهما، صلاحا للحرث و النسل، و نتاجا للحب و الثّمر، يجمعهما البرد بإذن الله
تعالى، و يخرجهما الحر بإذن الله، فينضج على اعتدال إلى غير ذلك من منافعهما، و قد
يكون الأذى فى حرّهما و بردهما، و سمومهما و زمهريرهما[2]،
و هما مع ذلك لا ينسبان إلّا[3] إلى
الصلاح و الخير، و قد غمر صلاحهما أذيّتهما.