اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 150
الباب السابع فى بيان الحكمة في كون
السلطان فى الأرض
اعلموا أرشدكم الله: أنّ في وجود السلطان فى الأرض، حكمة للّه تعالى
عظيمة، و نعمة على العباد جزيلة، لأنّ الله سبحانه جبل الخلق على حبّ الانتصاف، و
عدم الإنصاف[1]، و مثلهم
بلا سلطان: مثل الحيتان فى البحر يزدرد[2]
الكبير الصغير، فمتى لم يكن لهم سلطان قاهر لم ينتظم لهم أمر، و لم يستقم لهم
معاش، و لم يهنئوا بالحياة، و لهذا قال بعض القدماء: لو رفع السلطان من الأرض، ما
كان للّه فى أهل الأرض من حاجة.
و من الحكم التى فى إقامة السلطان: أنّه من حجج الله تعالى على وجوده
سبحانه، و من علاماته على توحيده، لأنه كما لا يمكن استقامة أمور العالم و اعتداله
بغير مدبّر ينفرد بتدبيره، كذلك لا يتوهّم وجوده و ترتيبه، و ما فيه من الحكمة، و
دقائق الصنعة بغير خالق خلقه، و عالم أتقنه، و حكيم دبّره.
و كما لا يستقيم سلطانان فى بلد واحد، لا يستقيم إلهان للعالم، و
العالم بأسره فى سلطان الله تعالى، كالبلد الواحد فى يد سلطان الأرض، و لهذا قال
عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه: أمران جليلان لا يصلح أحدهما إلا بالتفرد، و لا
يصلح الآخر إلا بالمشاركة، و هما الملك و الرأى فكما لا يستقيم الملك بالشركة لا
يستقيم الرأى بالانفراد به.
و مثال السلطان القاهر لرعيّته، و الرّعية بلا سلطان، مثال بيت فيه
سراج منير، و حوله فئام[3] من الخلق
يعالجون صنائعهم، فبينما هم كذلك، طفئ السّراج، فقبضوا أيديهم للوقت، و تعطل جميع
ما كانوا فيه، فتحرّك الحيوان الشّرير، و خشخش، الهام الخسيس[4]،
و دبّت العقرب[5] من
مكمنها،
[1] - حب الانتصاف و عدم الإنصاف: أى من طبع الإنسان أن
يسعى لأخذ حقه و لا يسعى لإعطاء الناس حقوقهم.