اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 147
الباب السادس فى أنّ السلطان مع رعيّته
مغبون غير غابن، و خاسر غير رابح
اعلموا أرشدكم الله: أنّ السلطان خطره عظيم، و بليّته عامّة، و قد
يطرقه من الآفات، و يحتوشه[1] من الأمور
المهلكات، ما يجب على كل ذى لب أن يستعيذ بالله ممّا حمله، و يشكره على ما عصمه،
لا يهدأ فكره، و لا تسكن خواطره، و لا يصفو قلبه، و لا يستقرّ لبّه، الخلق فى شغل
عنه، و هو مشغول بهم، و الرجل يخاف عدوا واحدا، و هو يخاف ألف عدوّ، و الرجل يضيق
بتدبير أهل بيته، و إنالة صنعته[2]، و تقدير
معيشته، و هو مدفوع لسياسة جميع أهل مملكته، و كلما رتق فتقا[3]
من حواشى مملكته انفتق آخر، و كلما رمّ منها شعثا[4]
رثّ آخر[5] و كلما
قمع عدوا أرصد له أعداء، إلى سائر ما يعانيه من أخلاق الناس، و يقاسية من
خصوماتهم، و نصب الولاة و القضاة، و بعث الجيوش و سدّ الثغور، و استجباء الأموال و
دفع المظالم، ثم العجب العجاب، أنّ له نفسا واحدة، و أنّه يرزأ[6]
من الدنيا قوتها، كما يرزأ آحاد الرعايا، ثم يسأل غدا عن جميعهم و لا يسألون عنه،
فيا لله، و يا للعجب، من رجل رضى أن ينال رغيفا، و يحاسب منها[7]
على ألف ألف رغيف، و يأكل فى معى[8] واحد، و
يحاسب على ألف ألف معي، و يستمتع بنفس واحدة، و يحاسب على آلاف آلاف الأنفس، و على
هذا النمط فى جميع أحواله، يحمل أثقالهم، و يريح أسرارهم، و يجاهد عدوّهم، و يسدّ
ثغورهم، و يدافع