اسم الکتاب : سراج الملوك المؤلف : الطرطوشي، أبوبكر الجزء : 1 صفحة : 146
و شهدت و أنا بالإسكندرية، و الصيد فى
الخليج مطلق للرعيّة، و السمك يغلى به الماء من كثرته، و يصيده الأطفال بالخرق، ثم
حجره الوالي و منع الناس من صيده، فذهب السمك، حتى لا يكاد يرى فيه إلا الواحدة
بعد الواحدة إلى يومنا هذا.
و هكذا تتعدّى سرائر الملوك و عزائمهم و مكنون ضمائرهم إلى الرعية،
إن خيرا فخير، و إن شرا فشر.
و روى أصحاب التواريخ فى كتبهم، قالوا: كان النّاس إذا أصبحوا فى
زمان الحجّاج[1] يتلاقون
يتساءلون: من قتل البارحة؟ و من صلب؟ و من جلد؟ و من قطع؟ و أمثال ذلك.
و كان الوليد[2] صاحب
ضياع، و اتخاذ مصانع، فكان الناس يتساءلون فى زمانه عن البنيان، و المصانع، و
الضياع، و شقّ الأنهار، و غرس الأشجار.
و لما ولي سليمان بن عبد الملك[3]
و كان صاحب نكاح و طعام، فكان الناس يتحدثون فى الأطعمة الدقيقة، و يتوسعون فى
الأنكحة و السراري، و يعمرون مجالسهم بذكر ذلك.
و لما ولي عمر بن عبد العزيز[4]
كان النّاس يتساءلون: كم تحفظ من القرآن؟ و كم وردك[5]
فى كل ليلة؟ و كم يحفظ فلان؟ و متى يختم؟ و كم تصوم من الشهر؟ و أمثال ذلك.
[1] - الحجاج: أى الحجاج بن يوسف الثقفى، الأمير على
العراق فى زمن الأمويين و المشهور ببطشه و جبروته.
[2] - الوليد: أى الوليد بن عبد الملك: الخليفة الأموى
السادس الذى بلغت الدولة الأموية فى عهده أوجها.
[3] - سليمان بن عبد الملك: الخليفة الأموى السابع الذى
تولى الخلافة بعد أخيه الوليد.
[4] - عمر بن عبد العزيز: الخليفة الأموى الثامن الذى
تولى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك.