و عندما يُوَفَّق السالك- بالعناية الإلهيّة- للهجرة، و ينتشل نفسه
من مستنقع العادات و الرسوم، يضع قدمه في ميدان الجهاد الأكبر حيث محاربة جنود
الشيطان، لأنَّ السالك في هذا الموقع يكون في عالم الطبيعة أسير الوهم و الغضب و
الشهوة، و عرضة للأهواء المتضادّة، تحيطه أمواج الآمال و الأماني، و تستولي عليه
الهموم و الغموم، و تؤلمه منافيات الطبع و الوجدان، و يترقّب المخاوف العديدة،
فتضطرم كلّ زاوية من زوايا صدره، و يشعر بالفقر و الحاجة و أنواع الآلام و
الانتقام تهدّد كيانه، منها ما يخصّ أهله و عياله، و منها ما يرتبط بماله و خوفه
من تلفه و ضياعه، أو جاه يبتغيه فلا يصل إليه؛ فتوخزه أشواك الحسد و الغضب و الكبر
و الأمل، و يقع فريسة أفاعي و سباع عالم الطبيعة و المادّة، فتكدّر قلبه ظلمات
الوهم بما لا يعدّ و لا يحصى، و تتعاقب عليه صفعات الدهر، و تُدمي أقدامه الأشواك
في كلّ موضع وضعها فيه.
[1] - يقول:« فاحتس الخمرة و اسكب رشفة على الأفلاك
حتّي متي تحترق الماً و حزناً على الدنيا؟»