فلا يرى أثراً لسواه، كَانَ الله وَ لم
يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ.[1]
في هذه الحال يتخطّى السالك وادي الهجران ليستغرق في بحر مشاهدات
الذات الربوبيّة اللامتناهي.
و لا يخفى أنَّ سير السالك و سلوكه لا يتنافى مع وجوده في عالم
المادّة، فإنَّ بساط الكثرة الخارجيّة يبقى على حاله، ليحيا السالك في الوحدة مع
عين الكثرة. قال أحدهم: بقيت بين الناس ثلاثين عاماً كانوا يظنّونني معهم و
مراوداً لهم، و الحال أنني خلال تلك المدّة لم أكن أعرف و لا أرى منهم أحداً سوى
الله.
«الحال» شهود النفس و «البقاء بالمعبود» بعد الفناء الكلّيّ
هذه الحالة مهمّة جدّاً، و تحوز على أهمّيّة عظيمة، فمن الممكن أن
تظهر في البداية و للحظة واحدة، ولكن شيئاً فشيئاً تشتدّ لِتَصِلَ إلى عشر دقائق
أو أكثر، ثمّ ساعة أو أكثر، لتنتقل بعدها بالعناية الإلهيّة من الحال العابر إلى المقام.
و يُعبّر عن هذه الحالة في الأخبار و على لسان العظماء ب- البقاء
بالمعبود، و لا يمكن الوصول إلى هذه المرتبة من الكمال إلّا بعد حصول الفناء
الكلّيّ لعالم الإمكان في حقيقة الوجود الإلهيّ، و عندها لن يرى السالك شيئاً سوى
الذات الإلهيّة المقدّسة.
[1] -« توحيد علمي و عيني»(/ التوحيد العلميّ و
العينيّ) ص 114 و 115.