و ممّا لا شكّ فيه أنَّ هذه المرحلة هي أشرف و أكمل من مرحلة إدراك
الصفات التي توجد في مرتبة القلب؛ «لأنَّ السَّالِكَ يُصْبِحُ وَ لَا يَرَى
قَادِراً وَ لَا عَالماً وَ لَا حَيَّاً سِوَى الله تَعَالَى». و هذا الشهود
غالباً ما يظهر في حال تلاوة القرآن. فكثيراً ما يتسنّى للقارئ أن لا يرى نفسه
قارئاً، بل إنَّ القارئ شخص آخر، و قد يدرك أحياناً أنَّ المستمع أيضاً كان شخصاً
آخر.
و اعلم أنَّ لقراءة القرآن في حصول هذا الأمر تأثيراً كبيراً جدّاً،
و يحسن أن يقرأ السالك حين الاشتغال بصلاة الليل سور العزائم؛ لأنَّ السجود لله
فجأة من حال القيام لا يخلو من اللطف. و قد ثبت بالتجربة أنَّ قراءة السورة
المباركة «ص» في ركعة الوتر من صلاة الليل ليلة
الجمعة مؤثّر جدّاً، و فائدة هذه السورة تُعلم من الرواية التي وردت بشأن ثوابها.
و حين يطوي السالك هذه المراحل بالتوفيق الإلهيّ، و يوفّق للمشاهدات
القدسيّة، سوف تحيط به الجذبات الإلهيّة لتقرّبه في كلّ آن إلى الفناء الحقيقيّ،
إلى أن تحيط به أخيراً الجذبة التي تجعله متوجّهاً إلى الجمال و الكمال المطلق،
فيشتعل وجوده الخاصّ و كلّ عالم الوجود في عينيه بأنوار الطلعة البهيّة للمعشوق،