و أمّا تأخير
العامل؛ فلما فيه من تقديم ما هو الحقيق بالتعظيم؛ و لاقتضائه قصر الاستعانة و
التبرّك على اسمه- جلّ و علا[2]-
قصرا حقيقيّا أو إضافيّا قلبيّا؛ ردّا على المشركين في قولهم: «باسم اللات و
العزّى»[3]؛
و ليوافق تقديم الاسم الكريم على ما تلاه تقدّم مسمّاه على ما سواه.
و كان من حقّ
الباء أن تفتح؛ وفاقا لسائر أخواتها من التاء و الكاف و الواو و الفاء و غيرها من
حروف المعاني[4]
التي لمّا كثر الابتداء بها- و قد منع إفرادها و رفضهم الابتداء بالساكن من سكونها
الذي هو الأصل في المبنيّات- عوّضوها عنه بالفتحة التي هي أخته في الخفّة، و إنّما
كسروها؛ لانفرادها من بينهنّ بلزوم الحرفيّة و الجرّ، فحرّكوها بالكسرة المناسبة
للسكون الذي هو حلية الحروف، مناسبة القلّة للعدم[5]؛ و لتكون حركتها موافقة
لأثرها، كما كسروا لام الأمر و لام الجرّ داخلة على مظهر؛ لتمتاز عن لام الابتداء
فيما لا يظهر فيه أثر العامل كالمبنيّ و التقديريّ و الموقوف عليه، و لم يخشوا
التباس اللّامين الأوّلين؛ لتمايز مدخوليهما بالفعليّة و الاسميّة، و لا الأخيرين
حال الدخول على مضمر؛ للتمايز بالاتّصال و الانفصال.
و أمّا كسر
الجارّة ل «ياء» المتكلّم؛ فللتناسب، كما أنّ فتح لام المستغاث للتميّز عن
المستغاث له؛ مع أنّ وقوعه موقع كاف «أدعوك» قد صيّره في حكم المضمر.
[1]. في هامش« ع» و« ش» و« ق»:« أي إنّ تقدير قراءتي
يقتضي تقدير فاعل بارز و هو ياء المتكلّم، و تقدير« أقرأ» إنّما يقتضي تقديره
مستترا استتارا واجبا؛ إذ استتار الفاعل في المضارع المبدوء بالهمزة واجب».
[3]. حكاه- عنهم- الزمخشري في« الكشّاف» ج 1، ص 29، حيث
قال:« لأنّهم كانوا يبدؤون بأسماء آلهتهم، فيقولون: باسم اللات، باسم العزّى، فوجب
أن يقصد الموحّد معنى اختصاص اسم الله- عزّ و جلّ- بالابتداء».
[4]. قال السيّد الشريف الجرجاني:« حروف المعاني: ما
يقابل الأسماء و الأفعال؛ فإنّها موضوعة للمعاني، و أمّا الألفاظ المبسوطة التي
يتركّب منها الكلم فتسمّى حروف المباني». لاحظ« حاشيته على الكشّاف» ج 1، ص 32.
[5]. قال السيّد الشريف الجرجاني:« و الكسر بمنزلة
العدم؛ لقلّته؛ إذ لا يوجد في الأفعال و لا في غير المنصرف من الأسماء و لا في
الحروف إلّا على الندرة». لاحظ« حاشيته على الكشّاف» ج 1، ص 33.