قد خيّم غيمه و طنّب، و أسهب ثلجه و أطنب، و عاد الجوّ أشيب، و أدهم
الجبال أشهب، يوم فضّي الجلباب، مسكيّ النقاب، معقود السحاب، محول السخاب، ليلة قد
هلك إهابها، كأنّ الصبح يهابها.
فصل [وصفه
للشتاء و الربيع]
إذ نحن في يوم
حلّت عنه أيدي الأنواء أزرار الأنوار، و أذاع لسان النسيم أسرار الأزهار، فأذاع
الهوى أسراره، و فضّص ذوب الثلج أنهاره، و عطّر القطر وروده و بهاره، و خيّطت يد
الربيع براقع جلّناره، و طرح في أوراقه جلّ ناره. يوم قد راق شبابه، و راق شرابه،
قد هبّت فيه أرواح الربيع، على أرواح الجميع. يوم ساكن الريح خفيف الرّوح، رقيق
الراح كثير الرّوح، قد وشّحنا راحنا براحه، و روّحنا أرواحنا بنسيم أرواحه. يوم
محلول فيه عصائب الأزهار، مسلول فيه قواضب الأنهار، ماؤه خصر، و روضه خضر، فيه
أطرف زهر، في أظرف دهر. يوم واضح نهاره، متبرّج بهاره، أنيقة أشجاره، رقيقة
أسحاره، مغرّدة أطياره، متقاربة أطواره، ليلته كبرد الشباب، و برد الشراب، كواكبه
المضيئة عقود، و ثريّاه الوضيئة عنقود.
فصل [رفقائنا
من الأعاجم]
و أمّا رفقاؤنا
من الأعاجم، فإنّا نثني عليهم مدى الأيّام، فلقد كانوا شفيقين رفيقين ألبّاء
حازمين. أمّا السيّد أسد اللّه فهو أسدّ حازم و أشدّ جازم، فهو سيّد أقرانه، و سند
إخوانه، ذو همّة تعزل السماك الأعزل لسموّها، و تجرّ على المجرّة ذيل علوّها؛ و
لقد كان (حسن) حسنا مجيبا، و لبيبا حبيبا؛ و لم يزل (فتح اللّه) منّا قريبا؛ و لقد
كانت تطلع شمسنا و تستضيئ من فانوسنا ليلا و نهارا؛ و لقد كان سيفنا يقطع مجرّدا و
هو في جفنه سرّا و جهارا.