و لقد لبسنا
لحرب الطريق الدلاص فهان، و قطعنا رأسه حتّى حللنا بأصفهان، فنزلنا عند أسدها بل
أسدّها، عين أعيانها بل إنسان عين إنسانها، سرّ أبيه أسد اللّه الغالب، خلاصة ولد
أبي طالب، أقرّ اللّه عينه، و أدام عونه، و أهطل غيثه، و أدام غوثه، و لا زالت
همّته العليّة تتجلّى بغير انجلاء، و تقضي معارف العارفين من غير انقضاء، ما قصد
سيل قرارا، و طرد ليل نهارا. فلقد تلقانا بالرّحب و الترحيب، و قابلونا كما يقابل
المحبّ الحبيب، و لقد وطئنا سهلا و أيّ سهل، و لقينا به و بهم أهلا و أيّ أهل،
غذاؤهم العلم و التفكّر، و نقلهم المذاكرة و التذكّر، جوارهم مرضيّ، و ذمامهم
مرعي، يشفون الوسائل، و يسعفون المسائل، و يولون المغانم، و يؤدّون المغارم، و
ينيلون المعترّ، و يقيلون المغترّ، فتراهم بين فقير يواسونه، و عقير يوسونه، و
نصيح يؤثرونه، و جميل يرونه؛ يجودون بما يجدون، و يعدلون و لا يعدلون، و يمنّون و
لا يتمنّون، و يميرون و لا يمتنّون، و يسدّدون و لا يسدّدون، و يسدون و لا يسدون،
و يوردون و لا يردّدون، و يبذلون الأغراض، و يصونون الأعراض؛ أقدرهم اللّه على
تنفيس الكربات، و المنافسة في القربات، و غضّ عنهم العيون الحاسدة، و فضّ عنهم
الجموع الحاشدة، و لا زالوا في حالين في محلّ الفضل و الإنعام، خالين من كلّ ذم و
ذام، قائمين بالحقّ حقّ القيام، إلى يوم القيام.
فصل [مدحه
لأصفهان]
و ها أنا قاطن
في أصفهان، و ما أدراك ما أصفهان؟ جنّة الأرض، و حبّة العرض، حصينة المرابع، خصيبة
المراتع، ذات نسيم للروح نسيب، و ثمار ما لمن لم يذقها في الأثمار نصيب، نورها
ساطع، و نورها طالع، قد ظهرت بشاشتها البهيّة، و زهت بملابسها الزهيّة، أيّامها
أحسن من أنوار الأشجار، و أطيب من أنفاس الأسحار، فهي