و ما تضمّنته
الآية الكريمة- من الالتفات من الغيبة إلى الخطاب[1]- ينطوي على نكات فائقة و
لطائف رائقة[2]،
زيادة على ما في مطلق الالتفات من المزيّة المقرّرة في فنّ المعاني.
فمنها: التنبيه
على أنّ القراءة ينبغي أن تكون صادرة عن قلب حاضر و توجّه كامل، بحيث كلّما أجرى
القارئ اسما من تلك الأسماء العليا، و نعتا من تلك النعوت العظمى على لسانه، و
نقشه على صفحة جنانه، حصل للمطلوب مزيد انكشاف و انجلاء، و أحسّ هو بتزايد قرب و
اعتلاء، و هكذا شيئا فشيئا إلى أن يترقّى من مرتبة البرهان إلى درجة الحضور و
العيان، فيستدعي المقام حينئذ العدول إلى صيغة الخطاب، و الجري على ذلك النمط
المستطاب.
و منها: أنّ من
بيده هدية حقيرة معيبة، و أراد أن يهديها إلى ملك عظيم، و يطلب منه حاجته، فإن
عرضها عليه بالمواجهة، و طلب حاجته منه بالمشافهة، كان ذلك أقرب إلى قبول الهدية و
نجاح الحاجة من العرض بدون المواجهة؛ فإنّ في ردّ
[1]. في هامش« ع»:« وجوه أربعة عشر في نكات الالتفات
في إِيَّاكَ نَعْبُدُ، و لم يذكر في الكشّاف إلّا وجها واحدا. و
أمّا البيضاوي فيمكن أن يستنبط من كلامه وجوه ثلاثة».( منه ;).
[2].« راق، يروق، روقا و روقانا، فهو رائق، راقني
الشيء: أعجبني»(« لسان العرب» ج 10، ص 134،« روق»).