و أنت خبير بأنّ زيادة المعنى في المشتقّ تكون بزيادة مدلوله التضمّني،
أعني المعنى المصدري، و لا ريب أنّ رحمة الآخرة كما هي زائدة على رحمة الدنيا
كيفا، فهي زائدة عليها كمّا أيضا؛ لتواترها و عدم انقطاع[1] أفرادها؛ بل لا نسبة للمتناهي
إلى غير المتناهي، و هذا يقتضي عدم استقامة الاعتبار الأوّل في الدعاء الأوّل،
فكأنّهم اعتبروا فيه زيادة أفراد متعلّق المعنى المصدري، أعني المرحومين، و لعلّهم
عدّوا جميع أنواع الرحمة الواصلة إلى الشخص الواحد رحمة واحدة.
ثمّ لمّا كان الرَّحْمنِ بمعنى البالغ
في الرحمة غايتها، اختصّ بالله- سبحانه-، و لم يطلق على غيره [تعالى][2]؛
لأنّه هو المتفضّل حقيقة، و من عداه طالب بلطفه و إحسانه إمّا ثناء دنيويّا، أو
ثوابا أخرويّا، أو إزالة رقّة الجنسيّة، أو إزاحة خساسة البخل و حبّ المال. ثمّ هو
كالواسطة؛ فإنّ ذات النعمة و سوقها إلى المنعم و إقداره و تمكينه من إيصالها إلى
غير ذلك كلّها منه جلّ شأنه و عظم امتنانه.
و إلى الاختصاص
المذكور و شمول المؤمن و الكافر يومئ ما روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما
السّلام أنّه قال: «الرحمن اسم خاصّ لصفة عامّة، و الرحيم اسم عامّ لصفة خاصّة»[3].
[بحث في
تقديم «الرحمن»]
و تقديمه على
الرحيم- مع اقتضاء الترقّي العكس؛ لتقدّم رحمة الدنيا؛ و للمحافظة على رؤوس الآي؛
و لأنّه- لاختصاصه بالله سبحانه- صار كالواسطة بين العلم و الوصف، فناسب توسّطه
بينهما؛ و لأنّ الملحوظ أوّلا في باب التعظيم و الثناء هو عظائم النعماء و جلائل
الآلاء، و ما عداها يجري مجرى التتمّة و الرديف.