و في ذكر هذه الأسماء في البسملة- التي هي مفتتح الكتاب الكريم- تحريك
لسلسلة الرحمة، و تأسيس لمباني الجود و الكرم، و تشييد لمعالم العفو و الرأفة، و
إيماء إلى مضمون: «سبقت رحمتي غضبي»[1]،
و تنبيه على أنّ الحقيق بأن يستعان بذكره في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقيّ
البالغ في الرحمة غايتها، و المولي للنعم بجملتها، عاجلها و آجلها، جليلها و
حقيرها.
هذا، و ربما
يوجد في كلام بعضهم[2]
أنّ في وصفه- جلّ شأنه- بالرحمة الأخرويّة ردّا على المعتزلة القائلين بوجوب إيصال
الثواب إلى العباد في مقابل سوابق أعمال الخير، الصادرة عنهم؛ فإنّ الوجوب عليه-
جلّ شأنه- لا يجامع التفضّل و الإحسان اللذين هما معنى الرحمة بالنسبة إليه سبحانه.
و أنت خبير
بأنّهم لا يقولون بأنّ جميع ما يصدر عنه- تعالى- من النعم الأخرويّة واجب عليه؛
ليلزمهم أن لا يكون- جلّ شأنه[3]-
متفضّلا بشيء منها، و إنّما مذهبهم وجوب بعض تلك النعم، أعني التي استحقّها
المكلّفون في مقابلة الأعمال الصادرة عنهم، و الآلام الواصلة إليهم.
و أمّا باقي
أنواع النعم و أصناف الإحسان- التي لا يحصر قدرها، و لا يقدر حصرها- فهم لا ينكرون
أنّها تفضّل منه- جلّ شأنه- و إحسان و ترحّم و امتنان.
و عساك تسمع في
هذا كلاما مبسوطا، إن شاء الله تعالى.
[1].« عيون أخبار الرضا 7» ج 1، ص 256، باب
28، ح 30؛« الكافي» ج 1، ص 443، باب مولد النبيّ 6 و
وفاته، ح 13.
[2]. في هامش« ق» و« ش»:« المراد به البيضاوي و غيره».(
منه ;).