و وضع هذه الآية أثناء ذلك- و هى متعلقة بالنفس و صلاحها- لينبه
الخلق على أصل الصلاح الذى منه يكون، و منشئه الذى منه يبتدئ، فإذا صلحت النفس
قامت بالتكاليف التى تضمنتها هذه الآيات الجامعة لأصول الهداية، و هذا هو وجه
ارتباط هذه الآية بما قبلها و ما بعدها، الذى يكون قبل التدبر خفيا.
و نظير هذه الآية فى موقعها و دلالتها على ما بها يسهل القيام بأعباء
التكاليف فى قوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ
الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ
(238) [البقرة: 238].
فقد جاءت أثناء آيات أحكام الزوجية آمرة بالمحافظة على الصلوات،
تنبيها للعباد على أن المحافظة عليها و على وجهها، تسهل القيام بأعباء تكاليف تلك
الآيات، لأنها تزكى النفس بما فيها من ذكر و خشوع و حضور و انقطاع إلى اللّه
تعالى، و توجه إليه، و مناجاة له.
و هذا كله تعرج به النفس فى درجات الكمال.
اللذة فى الطاعة:
و النفوس الزكية الكاملة تجد فى طاعة خالقها لذة و أنسا تهون معهما
أعباء التكليف.
ثم إن العباد بنقص الخلقة و غلبة الطبع معرضون للتقصير فى ظاهرهم و
باطنهم فى صور أعمالهم و دخائل أنفسهم- و خصوصا فى باب الإخلاص- فذكروا بعلم ربهم
بما فى نفوسهم فى قوله تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ
بِما فِي نُفُوسِكُمْ ليبالغوا فى المراقبة فيتقنوا أعمالهم
فى صورها و يخلصوا بها له، و هذه المراقبة هى الإحسان الذى هو عبادتك اللّه كأنك
تراه[1].
و ذكر اسم (الرب) لأنه المناسب لإثبات صفة العلم، فهو الرب الذى خلق
النفس و صورها و دبرها، و لا يكون ذلك إلا بعلمه بها فى جميع تفاصيلها.
و كيف يخفى عليه شيء و هو خلقها؟
أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
(14) [الملك: 14].
و الصالحون فى قوله تعالى: إِنْ تَكُونُوا
صالِحِينَ؛ هم الذين صلحت أنفسهم فصلحت أقوالهم و أفعالهم و أحوالهم.
[1] -لما ورد فى حديث جبريل- 7-( 1/ 106)، و
مسلم( 9) عن أبى هريرة مرفوعا.