و صلاح النفس- و هو صفة لها- خفى كخفائها؛ و كما أننا نستدل على وجود
النفس و ارتباطها بالبدن بظهور أعمالها فى البدن، كذلك نستدل على اتصافها بالصلاح
و ضده بما نشاهده من أعمالها:
فمن شاهدنا منه الأعمال الصالحة- و هى الجارية على سنن الشرع، و آثار
النبى صلى الله عليه و سلم- حكمنا بصلاح نفسه، و أنه من الصالحين.
و من شاهدنا منه خلاف ذلك حكمنا بفساد نفسه، و أنه ليس منهم.
و لا طريق لنا فى معرفة صلاح النفوس و فسادها إلا بهذا الطريق، و قد
دلنا للّه تعالى عليه فى قوله تعالى:
فذكر الأعمال، ثم حكم لأهلها بأنهم من الصالحين، فأفادنا: أن الأعمال
هى دلائل الصلاح، و أن الصلاح لا يكون إلا بها، و لا يستحقه إلا أهلها.
تفاوت الصلاح:
ثم إن العباد يتفاوتون فى درجات الصلاح على حسب تفاوتهم فى الأعمال.
و يكون لنا أن نقضى بتفاوتهم فى الظاهر بحسب ما نشاهد، و لكن ليس لنا
أن نقضى بين أهل الأعمال الصالحة فى تفاوتهم عند اللّه فى الباطن؛ فندعى أن هذا
أعلى درجة فى صلاحه عند اللّه تعالى من هذا، لأن الأعمال قسمان: أعمال الجوارح، و
أعمال القلوب، و هذه أصل الجوارح.
و قد قال النبى صلى الله عليه و سلم: «التقوى ها هنا»[1]، و يشير إلى صدره ثلاث مرات، فمنازل
الصالحين عند ربهم لا يعلمها إلا اللّه.
(و الأوابون) فى قوله تعالى: فَإِنَّهُ كانَ
لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) [الإسراء: 25]، هم
الكثيرو الرجوع إلى اللّه تعالى: