و فى «الصحيح»: «ألا و إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، و
إذا فسدت فسد الجسد كله، ألا و هى القلب»[1].
ما هو القلب؟
و ليس المقصود مادته و صورته، و إنما المقصود النفس الإنسانية
المرتبطة به.
و للنفس ارتباط بالبدن كله، و لكن القلب عضو رئيسى فى البدن، و مبعث
دورته الدموية، و على قيامه بوظيفته تتوقف صلوحية البدن، لارتباط النفس به، فكان
حقيقا لأن يعبر به عن النفس على طريق المجاز.
و صلاح القلب- بمعنى النفس- بالعقائد الحقة، و الأخلاق الفاضلة، و
إنما يكونان بصحة العلم، و صحة الإرادة، فإذا صلحت النفس هذا الصلاح: صلح البدن
كله، بجريان الأعضاء كلها فى الأعمال المستقيمة، و إذا فسدت النفس من ناحية العقد،
أو ناحية الخلق، أو ناحية العلم، أو ناحية الإرادة ... فسد البدن، و جرت أعمال الجوارح
على غير وجه السداد.
مقصود الأديان:
فصلاح النفس هو صلاح الفرد، و صلاح الفرد هو صلاح المجموع، و العناية
الشرعية متوجهة كلها إلى إصلاح النفوس: إما مباشرة و إما بواسطة.
فما من شيء مما شرعه اللّه تعالى لعباده من الحق و الخير و العدل و
الإحسان إلا و هو راجع عليها بالصلاح.
و ما من شيء نهى اللّه تعالى عنه من الباطل و الشر و الظلم و السوء
إلا و هو عائد عليها بالفساد.
فتكميل النفس الإنسانية هو أعظم المقصود من إنزال الكتب، و إرسال
الرسل، و شرع الشرائع.
و هذه الآيات الثمان عشرة قد جمعت من أصول الهداية ما تبلغ به النفوس-
إذا تمسكت به- غاية الكمال.
وجه الارتباط:
قد أمر اللّه تعالى فى الآيات المتقدمة بعبادته و الإخلاص له.
و أمر ببر الوالدين و الإحسان إليهما فى الظاهر و الباطن.