الأمر بالإحسان إليهما عام فى جميع الأحوال، و خصصت حالة بلوغ أحدهما
أو كليهما الكبر بالذكر، لأنها حالة الضعف و شدة الحاجة، و مظنة الملل و الضجر
منهما، و ضيق الصدر من تصرفاتهما، فهما فى هذه الحالة قد عادا فى نهايتهما إلى ما
كان ولدهما عليه فى بدايته، و ليس عنده من فطرة المحبة مثل ما عندهما، فكان بأشد
الحاجة إلى التذكير بما عليه من تمام العناية بهما، و مزيد الرعاية لهما، و شدة
التوقى و التحفظ من كل ما يمس بسوء جانبهما فى هذه الحال على الخصوص، و إن كان ذلك
واجبا عليه فى كل حال على العموم.
و طول بقائهما عنده فى كنفه و ثقل مؤونتهما عليه، و ما يكون من
ضروريات الكبر و المرض مما يستقذره فى بيته، كل هذا قد يؤديه إلى الضجر و التبرم،
فيقول ما يدل على ضجره و تبرمه.
فنهى عن التفوه بأقل كلمه تدل على ذلك و هى كلمة «أفّ» بقوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ،
فأحرى و أولى ما فوقها.
و هذا أمر بتحمل كل ذلك منهما، و نهى عن التضجر منهما.
و من ضرورة مباينتهما لولدهما فى السن و فى النشأة أنهما كثيرا ما
يخالفانه فى آرائه و أفكاره، و قد يتناولان ما لا يحب أن تصل يداهما إليه، و قد
يسألانه للمعرفة أو للحاجة، و كل هذا قد يؤديه إلى نهرهما، أى: زجرهما بصياح و
إغلاظ، أو إظهار للغضب فى الصوت و اللفظ، فنهى عن هذا بقوله تعالى: وَ لا تَنْهَرْهُما.
و فى هذا أمر له بالتلطف معهما فى الطلب و الغرض، و الدلالة على وجه
الصواب فى الأمر و أبواب الفعل و الترك، و بحسن التلقى بكل ما يسألان و يطلبان، و
نهى عن أى إغلاظ فى اللفظ و الصوت و حالة الكلام.
أدب القول:
و لما نهاه عن القول القبيح المؤذى ... أمره بالقول اللين السهل
الحسن فى لفظه و فى معناه، و فى قصده و فى منشئه، السالم من كل عيب و مكروه بقوله
تعالى: وَ قُلْ لَهُما