responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة    الجزء : 1  صفحة : 444

الباب الرابع و العشرون‌

قال رضي اللّه تعالى عنه:

223- النعيم و إن تنوعت مظاهره إنما هو بشهوده و اقترابه، و العذاب و إن تنوعت مظاهره إنما هو بوجود حجابه، فسبب العذاب وجود الحجاب، و إتمام النعيم بالنظر إلى وجهه الكريم.

قلت: نعيم الروح و عذابها إنما هو بشهود ربها و احتجابها، و ذلك بعد تخلصها من عالم الأشباح، و ترقيها إلى عالم الأرواح، فيكون حينئذ نعيمها روح الوصال و ريحان الجمال، و عذابها احتجابها عن شهود ذلك الجمال، و بعدها عن الكبير المتعال، و هذا الأمر حاصل في دار الدوام لجميع الأنام، لأنه تميز الحق من الباطل، و عرف كل واحد مثواه و مستقره، فأهل الجنان أحسوا بالرضا و الرضوان، فهم عالمون بقرب الحق منهم و رضاه عنهم، لكنهم متفاوتون في العلم، فمنهم من يعلم من وراء الرداء، و منهم من يعرف داخل الرداء. و في البخاري: «و ما بين الناس و بين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن‌[1]»، و لا يفهم هذا الرداء إلا أهل الأذواق، و أما أهل النار فأحسوا بالبعد من الواحد القهار، فتضاعف عذابهم في دار البوار. و لو أن الحق تعالى تجلى لهم بصفة جماله لأنساهم ذلك اليوم عذابه، و لو أنه تعالى احتجب عن أهل الجنة لضاق عليهم فسيح الجنان، و لا نقلب نعيمهم نقمة و عذابا، أما من كان في دار الدنيا عارفا فلا يحتجب الحق تعالى عنه، كما شهده هنا بوسائط أنواره يشهده ثم بلطائف أسراره، بل ثمّ أولى لغلبة المعنى على الحس، و القدرة على الحكمة، و أما من كان هنا محجوبا فهو ثمّ أيضا محجوب، قال تعالى: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‌ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‌ [الإسراء: 72]، و للآية تفسيران ظاهر و باطن، لكن في دار البقاء يرق الحجاب لرقة الأبدان و لطافتها، فلذلك صار نعيمهم لا يكمل إلا بشهود القرب، فإذا فقدوه تنغص نعيمهم لأن في‌


[1] - رواه البخاري( 4/ 1848)، و مسلم( 1/ 163)، و ذكره الشيخ المصنف بنحوه.

اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة    الجزء : 1  صفحة : 444
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست