اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 407
أوان، و هذا أمر شهير لا يحتاج إلى دليل، و
من شك فليشاهد، فيا عجبا ممن ينكر ضوء الشمس بعد طلوعها، و نور القمر بعد ظهوره، و
لكن كما قال صاحب البردة:
قد
تنكر العين ضوء الشمس من رمد
و
ينكر الفمّ طعم الماء من سقم
وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء: 88]، و أعجب منه من ينكر وجود شيخ التربية، و يقر بانقطاع
أهل الخصوصية، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ
الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46]، أعني تعمى عن طريق أهل
الخصوص، و تبصر طريق أهل العموم، كحال الخفاش يبصر في الظلمة و لا يبصر في النور،
فهو عند الناس معذور لفقده ما عند الأقوياء من النور، و قد يسلط اللّه على عبده
الانهماك في الشهوات و يحبسه في سجن الغفلات، ثم يمن عليه بالتوبة و التيقظ من
الغفلة، و يدخله مع أحبائه مداخل الحضرة ليعرف قدر ما أظهر اللّه عليه من المنة،
كما أبان ذلك بقوله:
198- ربّما وردت الظّلم عليك ليعرّفك قدر ما منّ به عليك.
قلت: لا شك أن نيل الشيء بعد الطلب ألذّ و أعزّ من المساق بغير تعب،
و المحبة بعد القطيعة أحلى من المحبة بلا قطيعة، و الصفاء بعد الجفاء أصفى من
الصفاء بلا جفاء، و فطام النفس عن مألوفاتها و عوائدها أشد معالجة من النفس السلسة
المنقادة من غير تعب، فيكون الأجر أو القدر على قدر التعب، فهذه حكمة تقديم ورود
الغفلة و الشهوة على العبد، ثم ينقذه منها ليعلم قدر هذه النعمة التي أنعم اللّه
بها عليه، فربما أورد عليك أيها الإنسان الحق تعالى الظلم جمع ظلمة و هي الأغيار و
الأكدار، و حب الشهوات و العوائد، فتغرق في بحارها و تسجن في سجون ظلماتها، ثم
ينقذك منها في ساعة واحدة، و ذلك لتعرف بعد الفتح قدر ما منّ اللّه به عليك،
فتزداد محبة و شكرا، و يعظم السر عندك محلا و قدرا، فتعرف حقه و تصونه عمن لا
يستحقه، و لأجل هذا جعل اللّه الجنة محفوفة بالمكاره، ليعرف العبد بعد دخولها قدر
النعمة التي منّ اللّه بها عليه، و كذلك جنة العارف محفوفة بالمكاره، ليعرف العارف
قدر السر الذي كشف به، و الخير الذي منحه اللّه إياه. و اعلم أن هذه الظلم التي
ترد على القلوب فتحجبه عن علّام الغيوب هي
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 407