اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 408
ناشئة بحكمة اللّه من الدنيا و النفس و
الشيطان فمن زهد في الدنيا و غاب عن نفسه، و أطلق يده منها و ذكر اللّه حتى احترق
الشيطان، و ذاب دخل مع الأحباب، و فتح له عن علم الغيوب الباب. قال بعض الحكماء: و
اعلم أن الصانع البديع سبحانه لما خلق القلب جعله خزانة أسراره، و معدن أنواره و
موضع نظره من عبده، و لم يخلق اللّه في الوجود أشرف منه، ثم رمى على باب القلب أخس
الأشياء و أقذرها، لتقتضي حكمته اجتماع الأضداد التي لا قدرة لغيره على ذلك، فطرح
على باب القلب جيفة و كلبا ينهش فيها و هما الدنيا و الشيطان، فمن أراد الدخول
لخزانة سر اللّه لا بد له من تغميض عينه عن هذه القذرة و إعراضه عن الكلب، لأنه لا
سبيل له على من أعرض عنه و عن جيفته، و كل من التفت إليها سلب النور الذي أراد
اللّه به الدخول لبيت قلبه، و كان له ذلك كالطلسم على الكنز منعه منه لا محالة
انتهى. و قيل: إن الدنيا بنت الشيطان، و طالب الدنيا صهر إبليس، و الأب لا ينفك عن
بنته أبدا ما دامت البنت في عصمة الصهر. و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و
سلم: «إذا أراد اللّه بعبده خيرا زهّده في الدنيا، و رغّبه في الأخرى و بصّره
بعيوب نفسه، قيل: يا رسول اللّه أيّ الناس شرّ؟ قال: الأغنياء» يعني البخلاء، ثم
قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «و من عظّم غنيّا لأجل غناه كان عند اللّه كعابد
وثن، و من أسف على دنيا فاتته اقترب من النار مسيرة سنة[1]»
انتهى. و أوحى اللّه إلى موسى 7: ما أحبني من أحب المال، و ما أحبني من
أحب الدنيا، فإنه لا يسع في قلب واحد حبى و حبها أبدا، يا موسى ما خافني من خاف
الخلق، و ما توكل علي من خاف فوات الرزق، و عزتي و جلالي ما توكل علي عبد إلا
كفيته و بيدي مفاتيح الملك و الملكوت، و ما اعتصم بي عبد إلا أدخلته الجنة، و
كفيته كل مهمة، و من اعتصم بغيري قطعت عنه الأسباب من فوقه
[1] - رواه ابن المبارك في الزهد( 95- 96)، و وكيع في
زهده-، و هناد في الزهد( 546)، الإمام أحمد كذلك( 200)، و أبو نعيم في الحلية( 3/
213)، و البيهقي في الشعب( 2/ 375)، و الديلمي في الفردوس( 1/ 14/ أ) كما في تسديد
القوس، و الربيع في مسنده( ص 278)، بنحوه تاما و مختصرا مرفوعا و موقوفا، و انظر:
الفيض( 1/ 256)، و تخريج الإحياء للعراقي( 4/ 219) و كشف الخفا( 2/ 316).
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 408