اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 406
[الكهف: 45]، و أنت من ذلك الشيء، و قال
تعالى في حق العصاة: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ و قال
تعالى: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ، وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ
اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ [الزمر: 53]، إلى غير ذلك من
الآيات. و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «لو أذنبتم حتى تبلغ خطاياكم عنان
السماء ثم تبتم لتاب اللّه عليكم[1]»، و
ليتذكر من تقدم قبله من أهل الغفلة و العصيان، ثم صار من أهل المشاهدة و العيان،
كانوا لصوصا فصاروا خصوصا، كإبراهيم ابن أدهم، و الفضيل بن عياض، و أبي يعزى، و
كثير ممن يتعذر حصره، و قد ذكر القشيري في أول رسالته منهم رجالا، قدمهم أولا
تقوية لرجاء المذنبين. و ليذكر الرجل الذي قتل تسعا و تسعين نفسا، ثم سأل راهبا عن
التوبة فقال له: لا توبة لك فكمّل به المائة، ثم سأل عالما فدله على التوبة، و
أمره بالذهاب إلى قرية فيها قوم يعبدون اللّه فقصدهم، فمات بالطريق، فأخذته ملائكة
الرحمة، و الحديث في البخاري مطولا. و كذلك الرجل الذي كان لصّا فسأل عابدا هل له
من توبة؟ فاستهزأ به و أخذ عرجونا يابسا، و قال له: خذ هذا العرجون فإذا اخضر فقد
صحت توبتك، فأخذه بالنية و جعل يعبد اللّه و ينظر إليه فأصبح ذات يوم معسلجا أخضر.
قلت: و قد أدركت أقواما كانوا مغروقين في الغفلة و ترك الصلاة، لا يعرفون من الدين
المشهور قليلا و لا كثيرا، فضلا عن طريق الخصوص، فانقلبوا و صاروا خصوصا عارفين. و
قد أدركت أقواما كانوا منهمكين في الذنوب مغروقين في المعاصي و ظلم العباد، فصاروا
من أعظم الصالحين. و قد رأيت نصارى يثغر سبتة، حضروا خلف حلقة الذكر، فانجذبوا و
تبعونا حتى أخرجنا الحد الذي بيننا و بينهم، و لو وجدوا سبيلا لأسلموا سريعا. و قد
كان بعض إخواننا يقول في شأن نفسه تعجبا من خروجه من غفلته: هذا مدفع النخّاس
المدبر، من عنده شيء فليخرجه؟ فلقد رأينه مجذوبا عاريا رأسه، حافيا رجله، فهو
اليوم من خواص الأولياء. و الغالب إنما يتفق هذا لمن سقط على صحبة العارفين الذين
عندهم الإكسير، و هم موجودون في كل