اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 133
يجد من يسأل عنها من أهل الباطن، فليسأله
على حذر، و يكون معه كالجالس مع العقرب و الحية، و اللّه ما رأيت أحدا قط من
الفقراء قرب منهم و صحبهم فأفلح أبدا في طريق الخصوص، و يرحم اللّه أبا ذر الغفاري
رضي اللّه تعالى عنه حيث قال: و اللّه لا أسألهم دنيا و لا أستفتيهم عن دين انتهى.
قال هذا في علماء الصحابة الأخيار رضي اللّه عنهم، فما بالك اليوم حين اشتغلوا
بجمع الدنيا و تزيين الملابس، و تكبير العمائم، و تحسين المآكل و المساكن و
المراكب، و رأوا ذلك سنة نبوية، فلا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم. و كان
يحيى بن معاذ الرازي رضي اللّه تعالى عنه يقول لعلماء وقته: يا معشر العلماء
دياركم هامانية، و مراكبكم قارونية، و أطعمتكم فرعونية، و ولائمكم جالوتية، و
مواسمكم جاهلية، و قد صيرتم مذاهبكم شيطانية، فأين الملة المحمدية؟ و مما يتأكد
النظر إليه في المصحوب الزهد في الدنيا و رفع الهمة عنها، و لو قلّ عمله في
الظاهر، و إلى ذلك أشار بقوله:
45- ما قلّ عمل برز من قلب زاهد، و لا كثر عمل برز من قلب راغب.
قلت: الزهد في الشيء هو خروج محبته من القلب و برودته منه، و عند
القوم: بغض كل ما يشغل عن اللّه، و يحبس عن حضرة اللّه، و يكون أولا في المال. و
علامته: أن يستوي عنده الذهب و التراب، و الفضة و الحجر، و الغنى و الفقر، و المنع
و العطاء، و يكون ثانيا في الجاه و المراتب. و علامته: أن يستوي عنده العز و الذل،
و الظهور و الخمول، و المدح و الذم، و الرفعة و السقوط، و يكون ثالثا في المقامات
و الكرامات و الخصوصيات. و علامته: أن يستوي عنده الرجاء و الخوف، و القوة و
الضعف، و البسط و القبض، يسير بهذا كما يسير بهذا أو يعرف في هذا كما يعرف في هذا،
ثم يكون الزهد في الكون بأسره بشهود المكوّن، و أمره، فإذا تحقق المريد بهذه
المقامات في الزهد أو جلّها كان عمله كله عظيما كبيرا في المعنى عند اللّه، و إن
كان قليلا في الحس عند الناس، و هذا معنى
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 133