اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 134
قوله عليه الصلاة و السلام: «عمل قليل في
سنّة خير من عمل كثير في بدعة[1]»، و أي
بدعة أعظم و أشنع من حب الدنيا و الانكباب عليها بالقلب و القالب الذي لم يكن في
زمنه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و لا في زمن الصحابة حتى ظهرت الفراعنة فبنوا و
شيدوا و زخرفوا، فهذه هي البدعة الحقيقية فعمل هؤلاء قليل في المعنى، و إن كان
كثيرا في الحس إذ لا عبرة بحركة الأشباح، و إنما العبرة بخضوع الأرواح، عبادة
الزاهد باللّه للّه، و عبادة الراغب بالنفس للنفس، عبادة الزاهد حية باقية، و
عبادة الراغب ميتة فانية، عبادة الزاهد متصلة على الدوام، و عبادة الراغب منقطعة بلا
تمام، عبادة الزاهد في مساجد الحضرة التي أذن اللّه أن ترفع و عبادة الراغب في
مزابل القذارات التي أذن اللّه أن توضع، و لذلك قال بعضهم: عبادة الغني كالمصلي
على المزبلة، و ما مثل عبادة الزاهد مع قلتها في الحس و كثرتها في المعنى، و عبادة
الراغب مع كثرتها في الحس و قلتها في المعنى إلا كرجلين أهديا للملك أحدهما: أهدى
ياقوتة صافية صغيرة قيمتها ستون قنطارا، و الآخر: أهدى ستين صندوقا خاوية فارغة،
فلا شك أن الملك يقبل الياقوتة و يكرم صاحبها، و يرد الصناديق و يهين صاحبها و
يغضب عليه، لكونه استهزأ بالملك حيث أهدى له خشبا خاوية، شهرتها أعظم من منفعتها.
و سمعت شيخنا رضي اللّه تعالى عنه يقول: الراغب في الدنيا غافل، و لو كان يقول:
اللّه اللّه بلسانه على الدوام، إذ لا عبرة باللسان و الزاهد في الدنيا ذاكر على
الدام، و لو قلّ ذكره باللسان انتهى. قلت: و بهذا فسّر بعضهم قوله تعالى: لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
[النساء: 142] أي مع الغفلة و الرغبة، و لو كثر في الحس انتهى.
و قال سيدنا علي كرم اللّه وجهه: كونوا لقبول العمل أشدّ منكم
اهتماما للعمل، فإنه لم يقلّ عمل مع التقوى، و كيف يقلّ عمل يتقبل انتهى. و قال
ابن مسعود
[1] - رواه معمر في جامعه( 1/ 291)، و ابن وضاح في
البدع( ص 22)، و أبو نعيم في الحلية( 3/ 76).
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 134