اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 108
قيام لها إلا به و لا ظهور لها إلا منه، و
سيأتي له في المناجاة: إلهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكون
لغيرك ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك، و
متى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟، و اللّه تعالى أعلم. و لما كان
المستدلون باللّه قد وسع اللّه عليهم دائرة العلوم، و فتحت لهم مخازن الفهوم،
بخلاف المستدلين عليه قد قتر اللّه عليهم أرزاق العلم، بوجود حجاب الوهم أشار إلى
ذلك بقوله:
قلت: أما الواصلون إليه فلأنهم لما نفذت أرواحهم من ضيق الأكوان إلى
فضاء الشهود و العيان، أو تقول: لما عرجت أرواحهم من عالم الأشباح إلى عالم
الأرواح، أو من عالم الملك إلى عالم الملكوت اتسعت عليها دائرة أرزاق العلوم، و
فتحت لها مخازن الفهوم، فأنفقوا من سعة غناهم جواهر العلم المكنون، و من مخازن
كنوزهم يواقيت السر المصون، فاتسع لهم ميدان المجال و ركبوا أجياد البلاغة و فصاحة
المقال، فما أسرع الغنى لمن واجهته منهم العناية، و ما أعظم فتح من لحظته منهم
الرعاية، إن للّه رجالا من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، و هم أهل السر
و الحال، و أما السائرون إلى اللّه فلأنهم باقون في ضيق الأكوان، و في عالم
الأشباح مسجونون في سجن الوهم لم يفتح لهم شيء من مخازن الفهم مشغولون بجهاد
نفوسهم و معاناة تصفية قلوبهم مضيق عليهم في العلوم و مقتر عليهم في سائر الفهوم،
فإن جدّوا في السير و صلوا، و انتقلوا من ضيق الأكوان و رحلوا، و تبختروا في رياض
العلوم و رفلوا فظفروا بما أملوا و استغنوا بعدها إن ملّوا، و إن رجعوا من الطريق
أو قصروا فقد خابوا و خسروا.
تنبيه: إن أردت أن يتسع عليك علم الأذواق، فاقطع عنك مادة
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 108