اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 107
فأما أهل المحبة و هم أهل الولاية و العرفان
من أهل الشهود و العيان، فهم يستدلون بالنور على وجود الستور، فلا يرون إلا النور
و بالحق على وجود الخلق، فلا يجدون إلا الحق و بقدرته على حكمته، فوجدوا قدرته عين
حكمته، و حكمته عين قدرته، فغابوا بشهود الحق عن رؤية الخلق، إذ محال أن تشهده و
تشهد معه سواه، و أما أهل الخدمة من أهل الحكمة، فهم يستدلون بظهور الستور على
وجود النور، و بالخلق على وجود الحق، غابوا عنه في حال حضوره و حجبوا عنه بشدة
ظهوره. قال بعض العارفين: أثبت اللّه تعالى للعامة المخلوق فأثبتوا به الخالق، و
أثبت للخاصة نفسه، فأثبتوا به المخلوق انتهى.
فشتان أي: فرق كبير بين من يستدل به على ظهور أثره، و بين من يستدل
بظهور أثره على وجوده، لأن من يستدل به عرف الحق و هو الوجود الحقيقي لأهله أي لمن
هو أهل له و يستحقه، و هو اللّه الواجب الوجود الملك المعبود، و أثبت الأمر و هو
القدم للوجود الحقيقي من وجود أصله، و هو الجبروت الأصلي القديم الأزلي، يعني أن
من عرف اللّه حتى صار عنده ضروريّا، عرف الوجود إنما هو اللّه و انتفى عنه وجود ما
سواه، و أثبت القدم لأوله و منتهاه، أو تقول: عرف الحق و هو الوجود الأصلي لأهله و
هو للّه تعالى. و أثبت الأمر و هو الوجود الفرعي من وجود أصله أي ألحقه بأصله،
فإذا التحق الفرع بالأصل، صار الجميع جبروتيّا أصليّا، و يحتمل أن يكون معناهما
واحدا، و يكون التقدير عرف الوجود الحقيقي لأهله، و أثبت ذلك الأمر من أصله كقولك:
عرفت هذا الحكم، و أثبت به من أصله، و اللّه تعالى أعلم. و أما من يستدل عليه
فلبعده عنه في حال قربه منه و لغيبته عنه في حال حضوره معه بعده الوهم، و غيبه عدم
الفهم، و إلا فمتى غاب حتى يستدل عليه، إذ هو أقرب إليك من حبل الوريد، و متى بعد
حتى تكون الآثار الوهمية هي التي توصل إليه
وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: 4]، إذ أثر القدرة
هو عينها، فالصفة لا تفارق الموصوف، إذ لا
اسم الکتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 107