اسم الکتاب : اللطائف الالهية فى شرح مختارات من الحكم العطايية المؤلف : الكيالي، عاصم إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 89
و شأن المجذوبين الاستدلال به على الأشياء،
و هم الذين يقولون ما رأينا شيئا إلا رأينا اللّه قبله.
و لا شك أن الدليل أبدا أظهر من المدلول. فأما ما ظهر للسالكين من
الآثار، و هي الأفعال، فاستدلوا بها على الأسماء، و بالأسماء على الصفات، و بالصفات
على وجود الذات، فكان حالهم الترقي و الصعود من أسفل إلى أعلى.
و أول ما ظهر للمجذوبين حقيقة كمال الذات المقدسة، ثم ردّوا منها إلى
مشاهدة الصفات، ثم رجعوا إلى التعلق بالأسماء ثم أنزلوا إلى شهود الآثار. فكان
حالهم التدلي و التنزل من أعلى إلى أسفل.
فما بدأ به السالكون من شهود الآثار إليه انتهاء المجذوبين.
و ما ابتدأ به المجذوبون من كشف حقيقة الذات إليه انتهاء السالكين.
لكن لا بمعنى واحد؛ فإن مراد السالكين شهود الأشياء للّه. و مراد المجذوبين شهود
الأشياء باللّه، فالسالكون عاملون على طريق الفناء و المحو، و المجذوبون مسلوك بهم
طريق البقاء و الصحو. و لما كان شأن الفريقين النزول في تلك المنازل المذكورة لزم
التقاؤهما في طريق سفرهما: السالك مترقّ، و المجذوب متدلّ» انتهى.
الحكمة التاسعة و العشرون[1]:
«جعلك في العالم المتوسّط بين ملكه و ملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته، و
أنّك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوّناته».
شرح الحكمة: قبل البدء في شرح الحكمة
أوضح بعض ألفاظها ليسهل علينا فهم معناها فأقول: جعلك (أي اللّه تعالى أيها
الإنسان) في العالم المتوسط (أي بما أن العوالم كثيرة، منها ما هو حسي ملكي، و
منها ما هو غيبي ملكوتي، بينت الحكمة أن اللّه تعالى جعل الإنسان في العالم
المتوسط) بين ملكه (أي عالم الشهادة) و ملكوته (أي عالم المعاني) ليعلمك (أي
ليخبرك اللّه تعالى) جلالة قدرك (أي مكانتك عند اللّه تعالى و) بين مخلوقاته، و
أنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته (أي أنت أيها الإنسان الجوهرة المقصودة مما هو
موجود داخل أصداف هذه المخلوقات).