اسم الکتاب : اللطائف الالهية فى شرح مختارات من الحكم العطايية المؤلف : الكيالي، عاصم إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 90
و الآن أبدأ في الشرح فأقول: قال اللّه
تعالى:* وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي
الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى
كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) [الإسراء: 70] إن هذه
الآية الكريمة تشير إلى تكريم اللّه تعالى للإنسان و تفضيله على كثير ممن خلق، و
لبيان هذا التكريم و التفضيل أخبرنا اللّه تعالى في كتابه الكريم أنه خلق الإنسان
بيديه في أحسن تقويم، و نفخ فيه من روحه، و أسجد له ملائكته :، و سخر
له السماوات و الأرض، قال اللّه تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) [التّين: 4] و قال
تعالى: قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ
بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ
مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) [ص:
75، 76] و قال تعالى: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ
مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) [الحجر: 29] و قال
تعالى: وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ
جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية:
13] و زيادة على ما تقدم أخبر النبي صلى اللّه عليه و سلم:
«إن اللّه خلق آدم على صورته»
(رواه مسلم) أي الصورة المعنوية من حيث إن اللّه تعالى موجود و حي و
عليم و مريد و قادر و سميع و بصير و متكلم، و الإنسان كذلك يتكلم و يبصر و يسمع و
يريد و يقدر و يعلم و هو حي و موجود، فهو بصفاته الحادثة هذه يتعرف على صفات اللّه
تعالى الأزلية، و في ذلك يقال: «من عرف نفسه عرف ربه».
إن الإنسان يقابل عالم الشهادة بجسمه الطيني، و يقابل عالم المكوت
بقلبه النوراني و روحه الأمري، لذلك كان الإنسان جامعا للحقائق الوجودية كلها
المادية و المعنوية، و في ذلك يروى عن الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه و كرّم وجهه
قوله:
«أتحسب أنك جرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبر» إن جمعية الإنسان
للحقائق الخلقية الكونية و للحقائق الروحية الملكوتية هي التي رفعت قدره بين
المخلوقات و أهلته ليكون خليفة اللّه تعالى في أرضه و حاملا لأمانته، قال اللّه
تعالى: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30] و قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ
وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا
الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72)
[الأحزاب: 72].
هذا و إتماما للفائدة أذكر قصيدة للشيخ عبد الغني النابلسي رحمه
اللّه تعالى من ديوانه «ديوان الحقائق و مجموع الرقائق» يبين فيها قدر الإنسان و
حقيقته و مكانته عند اللّه تعالى و هي التالية:
أجهلت
قدرك أيّها الإنسان
أنت
الجميع و بعضك الأكوان
و
النور و الظلمات أنت حقيقة
و
سوى كمالك كلّه نقصان
اسم الکتاب : اللطائف الالهية فى شرح مختارات من الحكم العطايية المؤلف : الكيالي، عاصم إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 90