اسم الکتاب : اللطائف الالهية فى شرح مختارات من الحكم العطايية المؤلف : الكيالي، عاصم إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 70
الحكمة السابعة عشرة[1]:
«متى أعطاك أشهدك برّه، و متى منعك أشهدك قهره، فهو في كلّ ذلك متعرّف إليك، و مقبل
بوجود لطفه عليك».
شرح الحكمة: إن النفس البشرية تحب
العطاء لأنه يوافق الهوى و الطبع، و تكره المنع لأنه يخالفهما، لأن العطاء وجود و
المنع عدم، و هي تحب الوجود و تكره العدم، فمن أعطاها من الخلق شيئا أحبّته لذلك،
و من منع عنها شيئا سخطت عليه و كرهته، و لذلك قيل: «جبلت النفوس على حب من أحسن
إليها» و ذلك شأن العبد مع ربه، إذا أعطاه فرح و إذا منعه حزن، مصداقا لقوله
تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ
وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ
عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16)
[الفجر: الآيتان 15، 16].
و هذه الحكمة تحدثنا عن العلاقة بين اللّه تعالى و بين عبده في
العطاء و المنع، فهي تبين أن اللّه تعالى إذا أعطى عبدا شيئا فإنه يكون بذلك
العطاء يريد أن يشهده برّه و لطفه به و فضله عليه، و إن منع عنه شيئا بأن حرمه ما
يوافق طبعه و هواه، أو ابتلاه بما يكره، فإنه يكون بذلك المنع يريد أن يشهد عبده
القهر الإلهي، قال تعالى: وَ هُوَ الْقاهِرُ
فَوْقَ عِبادِهِ [الأنعام: 18] و في كلتا الحالتين: العطاء و المنع يتعرف العبد على
لطف اللّه تعالى به، قال تعالى: وَ عَسى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ
هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216].
فلطف اللّه تعالى لا ينفك عن العبد سواء في العطاء أم في المنع. قال
تعالى:
أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) [الملك: 14] فاللّه تعالى لطيف بعبده خبير بما يصلحه و بما يفسده،
قال الشيخ ابن عطاء اللّه الإسكندري مؤلف هذه الحكم:
«من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره».
فالحق تعالى يريد من عبده المحسن السالك طريق معرفته:- المسلم و
المؤمن و المحسن السائر و السالك على الصراط المستقيم صراط الدين الكامل الموصل
إلى معرفة اللّه تعالى- أن يشهد عند العطاء صفاته الجمالية، من الرحمة و الجود و
البرّ و الكرم و الإحسان و اللطف و غير ذلك، و أن يشهد عند المنع صفاته الجلالية،
من القهر و الكبرياء و العزة و الاستغناء و غير ذلك، فيصل العبد عند ذلك إلى درجة
الكمال