اسم الکتاب : اللطائف الالهية فى شرح مختارات من الحكم العطايية المؤلف : الكيالي، عاصم إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 69
و الشهوات، فإنها تضلل الإنسان و تجعله يعتز
بما يفنى، فيتعلق بالمال و العشيرة و الولد و المنصب و السلطان و غير ذلك من أمور
الدنيا الفانية التي يظن أن عزه فيها فيشغل قلبه بها، مع أنه لو ملك الدنيا جميعها
و اعتزّ بها إنما يكون قد اعتزّ بأقل من جناح بعوضة بدليل قول النبي صلى اللّه
عليه و آله و سلم فيما صحّ عنه: «لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه جناح بعوضة ما سقى
كافرا منها شربة ماء»[1].
و أما الإنسان العاقل صاحب النفس المطمئنة بنور الإيمان، فإنه يعتز
بما يبقى، لأنه يريد أن يكون له عز لا يفنى، و هو: العز باللّه تعالى و بطاعته و
امتثال أمره و موالاة أحبابه، قال تعالى: كُلُّ مَنْ
عَلَيْها فانٍ (26) وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ (27) [الرّحمن: 26، 27] و قال تعالى:
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً
[فاطر: 10] و قال تعالى: وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ
رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56) [المائدة:
56] و قال تعالى: وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ
وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8].
و روي عن سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه و كرّم وجهه قوله: «من أراد
الغنى بغير مال، و الكثرة بغير عشيرة فلينتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة» أي من
استعز باللّه تعالى لا يقدر أحد أن يذله، و يروى في ذلك قصة الرجل الذي أمر هارون
الرشيد بالمعروف فغضب منه و حنق عليه، فقال:- أي هارون الرشيد- اربطوه مع بغلة
سيئة الخلق لتقتله، فلم تفعل معه شيئا، ثم قال: اسجنوه و طيّنوا عليه الباب
ففعلوا، فرئي في بستان فأتي به فقال له: من أخرجك من السجن؟ فقال: الذي أدخلني
البستان، فقال: و من أدخلك البستان؟ فقال: الذي أخرجني من السجن، فعلم هارون
الرشيد أنه لم يقدر على ذله، و أمر الرشيد أن يركب الرجل و ينادى عليه: ألا إن
هارون أراد أن يذل عبدا أعزّه اللّه فلم يقدر».
فعليك أخي المسلم، إذا أردت أن يكون لك عز لا يفنى، أن لا تستعز بغير
اللّه تعالى القائل: أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ
الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً
[النّساء: 139]. و قال تعالى: وَ انْظُرْ إِلى
إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ
فِي الْيَمِّ نَسْفاً [طه: 97].