و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول:
إذا رأى حلقة درسه قد كبرت قام عجلا مرعوبا و قال أخذنا و اللّه و لم نشعر فتبعه
الناس يوما و قالوا له: مثلك لا يخاف من مثل ذلك، فقال: بلى أنا أخوف الناس من ذلك
لما عرفه من دناءة أخلاقي، و اللّه لو رآني عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جالسا في
مثل هذا المجلس لضربني بالدرة و أقامني، و قال لي: أنت لا تصلح لمثل ذلك. و كان
مطرف بن عبد اللّه يقول: لأن أبيت نائما و أصبح نادما أحب إليّ من أن أبيت قائما و
أصبح معجبا أرى نفسي على النائمين، و قد كان السلف يعيبون على العباد كثرة صيامهم
و قيامهم خوفا عليهم من العجب، و كانوا يقولون لهم تعلموا العلم ثم اعملوا فإن لكل
عمل أدبا شرعيا، و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: لو أن عمل ابن آدم كله
حسنا لكان يهلك نفسه من العجب و لكن اللّه تعالى ابتلاه بشهود النقص فيه رحمة به،
و قد قال رجل مرة لإبراهيم التيمي رحمه اللّه تعالى ما تقول يا فقيه في كذا، فقال
إبراهيم:
إن زمانا صرت أنا فيه فقيها لزمان سوء، و كان حذيفة المرعشي رحمه
اللّه تعالى يقول: إن لم تخف أن يعذبك اللّه تعالى على أفضل أعمالك عندك فأنت هالك
اه.
و قد كانت رابعة العدوية رحمها اللّه تعالى تقول: أكثر ما أكون راجية
للخير حين تقل أعمالي الصالحة أي لكونها كانت معتمدة على فضل اللّه تعالى و امتنانه
لا على الأعمال، و كان حسان بن سنان رحمه اللّه تعالى يطلب من أعوان الولاة أن
يدعو له فقيل له في ذلك فقال: لعل في أحدهم خصلة يحبها اللّه تعالى و لعل في خصلة
يبغضها اللّه تعالى و لعلي أرى نفسي خيرا منه فيكون خيرا مني، و لما مرض عمر بن
عبد العزيز رحمه اللّه تعالى أشاروا عليه بالدفن في المكان الرابع عند قبر رسول
اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: فارتعد من كلامهم و قال: و اللّه لأن يعذبني
اللّه تعالى بالنار أحب إليّ من أن يعلم اللّه تعالى من قلبي أنني أرى نفسي أهلا
لذلك.
و قد سئل ابن السماك رحمه اللّه تعالى عن حقيقة العجب فقال: هو أن
تتطاول على الناس بعملك فتحقر كل من رأيته مقصرا في العمل، و كان سفيان الثوري
رحمه اللّه يكثر العبادة فقيل له يوما إذا نراك تكثر من العبادة فقال: لا يستكثر
عبادته في عينه إلا الجاهل باللّه تعالى فإن الملائكة عليهم الصلاة و السلام لا تفتر
عن العبادة طرفة عين و لو أنها استكثرت أعمالها لم يجعلها اللّه تعالى في حضرته
السماوية و أنهم مع ذلك يقولون سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
و قد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: إن لم تخف أن
يهلك اللّه تعالى بالنقص الذي في أعمالك الصالحة فضلا عن معاصيك فأنت هالك، و كان
يزيد بن هارون