رحمه اللّه تعالى يقول: نظرت في قيام الليل
فإذا الحارس يحرس الليلة كلها بدانقين أفيطلب أحدكم الجنة بسهر ليلة واحدة بعبادة
لعلها لا تساوي دانقين و ربما منّ بها على ربه.
و قد كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: السلامة من الرياء و
النفاق في العلماء و القراء أعز من الكبريت الأحمر لأن أحدهم لا يقدر على سماع قول
الناس ما أعلم فلانا أو ما أحسن صوته بالقرآن إلا و يحصل عنده العجب بذلك، و إن
قالوا ليس هو بعالم و لا حسن الصوت شق عليه و كاد يموت غما و ذلك من أكبر علامات
الرياء ثم يشرع في تحسين حاله رياء و سمعة.
و كان السري السقطي رحمه اللّه تعالى يقول: كل من ظن بنفسه أنه محسن
فهو ممن زين له سوء عمله و من لم يظن أنه هالك فهو هالك، و قد قال رجل لعبد اللّه
بن المبارك رحمه اللّه تعالى يا إمام إني لا أرى نفسي أحسن حالا ممن قتل بين يدي
نفسا ظلما، فقال له عبد اللّه: إن أمنك على نفسك لشر ممن قتل نفسا ظلما، و كان بشر
الحافي رحمه اللّه تعالى يقول: إذا رأيت العبد لجوجا مماريا بالعلم معجبا بنفسه
فاعلم أنه قد استكمل الخسارة، و كان أبو سليمان الداراني رحمه اللّه تعالى يقول:
من أعجب بعمله فهو قدري لأنه لو رأى العمل خلقا للّه تعالى لم يعجب به.
(قلت) و ذلك في العمل الحسن أما العمل السيء فلا يجوز له تعزية نفسه
عنده بل الواجب عليه أن يتوب منه و يندم و يستغفر منه و اللّه أعلم، و قد كان
لعطاء السلمي رحمه اللّه تعالى مخنثون يخدمونه في بيته و يوضئونه فقيل له: ألم
تستقذر هؤلاء أن يكونوا في بيتك، فقال: و اللّه أنهم عندي أطهر من نفسي و أقل
ذنوبا و أقل رياء و نفاقا فكيف أستقذرهم، و قد كان أبان بن عياش رحمه اللّه تعالى
يقول: لا يكره العمل بالرخص إلا معجب بنفسه أو صاحب هوى، أي لأن الرخص لا يحمد أحد
فاعلها فلا يحصل عنده عجب.
و قد كان أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه يخاف من العجب كل الخوف، و
كانوا إذا أثنوا عليه خيرا يقول: اللهم اجعلني خيرا مما يقولون و اغفر لي ما لا
يعلمون، و كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إذا أثنوا عليه خيرا يقول: اللهم أني
أعوذ بك من شر ما يقولون و أسألك أن تغفر لي ما لا يعلمون، و قد قال رجل لعائشة
رضي اللّه عنها يا أم المؤمنين متى يعلم الرجل أنه من المحسنين؟ فقالت: إذا علم
أنه من المسيئين، فقال الرجل: و متى يعلم أنه من المسيئين؟ قالت:
إذا رأى نفسه من المحسنين، قال: و حضر بكر بن عبد اللّه المزني و
مطرف بن عبد اللّه رحمهما