اسم الکتاب : الرسالة القشيرية المؤلف : القشيري، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 545
فالواجب عند هذا ترك مبالاتهم بتلك الخواطر،
و استدامة الذكر، و الابتهال إلى اللّه باستدفاع ذلك.
و تلك الخواطر ليست من وساوس الشيطان، و إنما هى من هواجس النفس،
فإذا قابلها العبد بترك المبالاة بها ينقطع ذلك عنه.
و من آداب المريد، بل من فرائض حاله، أن يلازم موضع إرادته[1]، و أن لا يسافر قبل أن تقبله الطريق،
و قبل الوصول بالقلب إلى الرب، فإن السفر للمريد فى غير وقته سم قاتل، و لا يصل
أحد منهم إلى ما كان يرجى له إذا سافر فى غير وقته.
و إذا أراد اللّه بمريد خيرا ثبته فى أول إرادته، و إذا أراد اللّه
بمريد شرا رده إلى ما خرج عنه من حرفته أو حالته، و إذا أراد اللّه بمريد محنة
شرده فى مطارح غربته.
هذا إذا كان المريد يصلح للوصول: فأما إذا كان شابا طريقته الخدمة فى
الظاهر بالنفس للفقراء، و هو دونهم فى هذه الطريقة رتبة، فهو و أمثاله يكتفون
بالترسم فى الظاهر، فينقطعون فى الأسفار. و غاية نصيبهم من هذه الطريقة حجات
يحصلونها، و زيارات لموضع يرتحل إليه، و لقاء شيوخ بظاهر سلام، فيشاهدون الظواهر،
و يكتفون بما فى هذا الباب من السير، فهؤلاء الواجب لهم دوام السفر، حتى لا تؤديهم
الدعة إلى ارتكاب محظور فإن الشاب إذا وجد الراحة و الدعة كان فى معرض الفتنة[2].
و إذا توسط المريد جمع الفقراء و الأصحاب فى بدايته فهو مضر له جدا،
فإن امتحن واحد بذلك فليكن سبيله احترام الشيوخ و الخدمة للأصحاب، و ترك الخلاف
عليهم، و القيام بما فيه راحة الفقير، و الجهد فى أن لا يستوحش منه قلب شيخ.
و يجب أن يكون فى صحبته مع الفقراء أبدا خصمهم على نفسه، و لا يكون
خصم نفسه عليهم، و يرى لكل واحد منهم عليه حقا واجبا، و لا يرى لنفسه واجبا على
أحد.
و يجب أن لا يخالف المريد أحدا، و إن علم أن الحق معه يسكت، و يظهر
الوفاق لكل أحد.