اسم الکتاب : الرسالة القشيرية المؤلف : القشيري، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 546
و كل مريد يكون فيه ضحك و لجاج[1] و مماراة[2]
فإنه لا يجئ منه شئ ..
و إذا كان المريد فى جمع من الفقراء، إما فى سفر أو حضر، فينبغى أن
لا لا يخالفهم فى الظاهر، لا فى أكل و لا صوم و لا سكون و لا حركة، بل يخالفهم
بسره و قلبه، فيحفظ قلبه مع اللّه عز و جل، و إذا أشاروا عليه بالأكل، مثلا، يأكل
لقمة أو لقمتين، و لا يعطى النفس شهوتها.
و ليس من آداب المريدين كثرة الأوراد فى الظاهر، فإن القوم فى مكابدة
إخلاء خواطرهم، و معالجة أخلاقهم، و نفى الغفلة عن قلوبهم، لا فى تكثير أعمال
البر. و الذى لا بد لهم منه إقامة الفرائض و السنن الراتبة.
فأما الزيادة من الصلوات النافلة فاستدامة الذكر بالقلب أتم لهم.
و رأس مال المريد: الاحتمال عن[3]
كل أحد، بطيبة النفس، و تلقى ما يستقبله بالرضا، و الصبر على الضر و الفقر، و ترك
السؤال و المعارضة فى القليل و الكثير فيما هو حظ له.
و من لم يصبر على ذلك فليدخل السوق، فإن من اشتهى ما يشتهيه الناس،
فالواجب أن يحصل شهوته من حيث يحصلها الناس: من كد اليمين، و عرق الجبين.
و إذا التزم المريد استدامة الذكر و آثر الخلوة فإن وجد فى خلوته ما
لم يجده قبله إما فى النوم و إما فى اليقظة، أو بين اليقظة و النوم من خطاب يسمع،
أو معنى يشاهد مما يكون نقضا للعادة، فينبغى أن لا يشتغل بذلك[4]
ألبتة، و لا يسكن إليه، و لا ينبغى له أن ينتظر حصول أمثال ذلك، فإن ذلك كله شواغل
عن الحق سبحانه.
و لا بد له فى هذه الأحوال من وصف ذلك لشيخه حتى يصير قلبه فارغا عن
ذلك.
و يجب على شيخه أن يحفظ عليه سره، فيكتم عن غيره أمره، و يصغر ذلك فى
عينه[5]، فإن ذلك
كله اختبارات، و المساكنة إليها مكر، فليحذر المريد عن ذلك، و عن ملاحظتها، و
ليجعل همته فوق ذلك.