اسم الکتاب : الرسالة القشيرية المؤلف : القشيري، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 544
و لا يأمره أن يترك عادته بمرة، فان فى
الخبر: «إن المنبت[1] لا أرضا
قطع، و لا ظهرا أبقى».
ثم يأمره بإيثار الخلوة و العزلة، و يجعل اجتهاده فى هذه الحالة لا
محالة فى نفى الخواطر الدنية و الهواجس الشاغلة للقلب.
و اعلم، أن فى هذه الحالة فلما يخلو المريد فى أوان خلوته فى ابتداء
إرادته من الوساوس فى الاعتقاد، لا سيما إذا كان فى المريد كياسة قلب، و قل مريد
لا تستقبله هذه الحالة[2] فى
ابتداء إرادته.
و هذه من الامتحانات التى تستقبل المريدين، فالواجب على شيخه إن رأى
فيه كياسه[3]، أن
يحيله على الحجج العقلية، فإن بالعلم يتخلص لا محالة المتعرف مما يعتريه من
الوساوس.
و إن تفرس شيخه فيه القوة و الثبات فى الطريقة أمره بالصبر و استدامة
الذكر حتى تسطع فى قلبه أنوار القبول، و تطلع فى سره شموس الوصول، و عن قريب يكون
ذلك.
و لكن لا يكون هذا إلا لأفراد المريدين، فأما الغالب ف أن تكون
معالجتهم بالرد إلى النظر[4]. و تأمل
الآيات بشرط تحصيل علم الأصول على قدر الحاجة الداعية للمريد.
و اعلم أنه يكون للمريدين على الخصوص بلايا من هذا الباب[5] و ذلك أنهم إذ اخلوا فى مواضع
ذكرهم، أو كانوا فى مجالس سماع، أو غير ذلك فيهجس فى نفسه و يخطر، ببالهم أشياء
منكرة، يتحققون أن اللّه، سبحانه، منزه عن ذلك، و ليس تعتريهم شبهة فى أن ذلك
باطل، و لكن يدوم ذلك، فيشتد تأذيهم به، حتى يبلغ ذلك حدا يكون أصعب شتم و أقبح
قول و أشنع خاطر، بحيث لا يمكن للمريد إجراء ذلك على اللسان، و إبداؤه لأحد، و هذا
أشد شئ يقع لهم.
[1] - أى الرجل الذى حمل دابته ما لا تعليقه فماتت فى
الطريق.