فلو تغافل عن إحساسه بنفسه و أبناء جنسه، فأىّ أعجوبة فيه؟!.
فمن فنى عن جلهه بقى بعلمه .. و من فنى عن شهوته بقى بانابته .. و من فنى عن رغبته بقى بزهادته .. و من فنى عن منيته[1] بقى بارادته[2] تعالى:
و كذلك القول فى جميع صفاته:
فاذا فنى العبد عن صفته بما جرى ذكره، يرتقى عن ذلك بفنائه عن رؤية فنائه و إلى هذا أشار قائلهم:
فقوم تاه فى أرض بفقر
و قوم تاه فى ميدان حبه
فأفنوا ثم أفنوا ثم أفنوا
و أبقوا بالبقا من قرب ربه
فالأول أفناه[3] عن نفسه و صفاته ببقائه بصفات الحق.
ثم فناؤه عن صفات الحق بشهوده الحق.
ثم فناؤه عن شهود فنائه باستهلاكه فى وجود الحق.
و من ذلك:
الغيبة و الحضور
فالغيبة: غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق، لاشتغال الحس بما ورد عليه، ثم قد يغيب عن إحساسه بنفسه و غيره، بوارد من تذكر ثواب، أو تفكر عقاب.
كما روى أن: الربيع بن خيثم كان يذهب إلى ابن مسعود، رضى اللّه عنه، فمر بحانوت حداد، فرأى الحديدة المحماة فى الكير، فغشى عليه .. و لم يفق إلى الغد.
فلما أفاق، سئل عن ذلك، فقال:
تذكرت كون أهل النار فى النار:
فهذه غيبة زادت على حدها، حتى صارت غشية.
[1] - طلبته.
[2] - و فى نسخة( بإرادته) فقط.
[3] - و فى نسخة( فناؤه).