و من ثمّ
فهو تغيير في معنى الكلم، كما قال تعالى: «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ»[1] أي يفسّرونها على غير وجهها بما لا دلالة للكلام
فيه وضعا. كأنّ المعنى الموضوع له موضع حقيقي للكلم، فإذا ما حوّل إلى غيره فقد
ابعد عن محلّه و عن موضعه الأصيل. و هذا تحريف معنوي لا غير.
قال
في اللسان: و تحريف الكلم عن مواضعه: تغييره، و التحريف في القرآن و الكلمة:
تغيير
الحرف عن معناه و الكلمة عن معناها، و هي قريبة الشبه، كما كانت اليهود تغيّر
معاني التوراة بالأشباه فوصفهم اللّه بفعلهم فقال تعالى:
«يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ».
قوله:
و هي قريبة الشبه، أي تغيير معنى الكلم إلى معنى هو قريب الشبه إلى المعنى الحقيقي
الأصل، و ذلك تحقيقا لمعنى الحرف الذي هو الجانب من الشيء الملاصق له في الوهم.
و
هكذا قال الراغب: و تحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال، يمكن حمله على
الوجهين، أي الكلام بحسب مادّته يحتمل الأمرين، فتجعله على أحدهما حسب المراد و إن
كان على خلاف إرادة قائله.
و
قال الطبرسي- في تفسير قوله تعالى: «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ
مَواضِعِهِ»-: أي يفسّرونه على غير ما انزل و يغيّرون صفة النبي صلّى اللّه عليه
و اله فيكون التحريف بأمرين، أحدهما: سوء التأويل، و الآخر: التغيير و التبديل،
كقوله تعالى: «وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ».[2]
قال
الشعراني: المراد من المواضع هي المعاني و المقاصد، أي لا يحملون الألفاظ على
معانيها الظاهرة منها، بل يؤوّلونها على وجوه بعيدة.[3]
و
هكذا قوله تعالى: «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ».[4] أي
جاء التحريف ليزيل الكلمة