فَبَشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَصْحَابَهُ بِالْفَتْحِ وَ أَمَرَهُمْ بِاسْتِقْبَالِ عَلِيٍّ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَ النَّبِيُّ ص يَقْدُمُهُمْ فَقَامُوا صَفَّيْنِ فَلَمَّا بَصُرَ بِالنَّبِيِّ ص تَرَجَّلَ عَنْ فَرَسِهِ فَقَالَ لَهُ ارْكَبْ فَإِنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ عَنْكَ رَاضِيَانِ فَبَكَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَرَحاً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ص يَا عَلِيُّ لَوْ لَا أَنَّنِي أَشْفَقُ أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لَقُلْتُ فِيكَ الْيَوْمَ مَقَالًا لَا تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ.
فصل [في المباهلة]
وَ لَمَّا انْتَشَرَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْفَتْحِ وَ مَا وَلَّاهُ مِنَ الْغَزَوَاتِ وَفَدَتِ الْوُفُودُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ كَانَ مِمَّنْ وَفَدَ عَلَيْهِ أَبُو حَارِثَةَ أُسْقُفُ نَجْرَانَ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنَ النَّصَارَى مِنْهُمُ الْعَاقِبُ وَ السَّيِّدُ وَ عَبْدُ الْمَسِيحِ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَصَارَتْ إِلَيْهِمْ الْيَهُودُ فَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ فَقَالَتِ النَّصَارَى لَهُمْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ وَ قَالَتِ الْيَهُودُ لَهُمْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ وَ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ[1] إِلَى آخِرِهَا فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ الْعَصْرَ جَاءُوا إِلَيْهِ يَقْدُمُهُمْ الْأُسْقُفُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا تَقُولُ فِي السَّيِّدِ الْمَسِيحِ فَقَالَ ص عَبْدُ اللَّهِ اصْطَفَاهُ وَ انْتَجَبَهُ فَقَالَ الْأُسْقُفُ أَ تَعْرِفُ لَهُ أَباً وَلَدَهُ فَقَالَ ع لَمْ يَكُنْ عَنْ نِكَاحٍ فَيَكُونَ لَهُ وَالِدٌ فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ إِنَّهُ عَبْدٌ مَخْلُوقٌ وَ أَنْتَ لَا تَرَى عَبْداً بِغَيْرِ أَبٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ[2].
فَتَلَاهَا عَلَى النَّصَارَى وَ دَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ وَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي أَنَ الْعَذَابَ يَنْزِلُ عَلَى الْمُبْطِلِ عَقِيبَ الْمُبَاهَلَةِ وَ يُبَيِّنُ اللَّهُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ فَاجْتَمَعَ الْأُسْقُفُ وَ أَصْحَابُهُ وَ تَشَاوَرُوا وَ اتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى اسْتِنْظَارِهِ إِلَى صَبِيحَةِ غَدٍ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رِحَالِهِمْ قَالَ الْأُسْقُفُ انْظُرُوا مُحَمَّداً فَإِنْ غَدَا بِأَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ فَاحْذَرُوا مُبَاهَلَتَهُ وَ إِنْ غَدَا بِأَصْحَابِهِ فَبَاهِلُوهُ فَإِنَّهُ
[1] البقرة: 113.
[2] الآيات: 59 الى 61.