مِنْهُمْ وَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَاسْتَدْعَى أَبَا بَكْرٍ وَ قَالَ لَهُ خُذِ اللِّوَاءَ وَ امْضِ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ فَإِنَّهُمْ قَرِيبٌ مِنَ الْحَرَّةِ فَمَضَى وَ مَعَهُ الْقَوْمُ حَتَّى قَارَبَ أَرْضَهُمْ وَ كَانَتْ كَثِيرَةَ الْحِجَارَةِ وَ الشَّجَرِ وَ هُمْ بِالْوَادِي وَ الْمُنْحَدِرُ إِلَيْهِمْ صَعْبٌ فَلَمَّا صَارَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْوَادِي وَ أَرَادَ الِانْحِدَارَ خَرَجُوا إِلَيْهِ فَهَزَمُوهُ وَ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَمْعاً فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ ص عَقَدَ لِعُمَرَ لِوَاءً وَ سَيَّرَهُ إِلَيْهِمْ فَكَمَنُوا لَهُ تَحْتَ الْحِجَارَةِ وَ الشَّجَرِ فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَهْبِطَ خَرَجُوا إِلَيْهِ فَهَزَمُوهُ فَسَاءَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ابْعَثْنِي إِلَيْهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ وَ لَعَلِّي أَخْدَعُهُمْ فَأَنْفَذَهُ مَعَ جَمَاعَةٍ وَ وَصَّاهُ فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْوَادِي خَرَجُوا إِلَيْهِ فَهَزَمُوهُ وَ قَتَلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةً.
وَ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَيَّاماً يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ دَعَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَعَقَدَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: أَرْسَلْتُهُ كَرَّاراً غَيْرَ فَرَّارٍ وَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ فَاحْفَظْنِي فِيهِ وَ افْعَلْ بِهِ وَ افْعَلْ فَدَعَا لَهُ مَا شَاءَ وَ خَرَجَ عَلِيٌّ ع وَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُشَيِّعُهُ وَ بَلَغَ مَعَهُ مَسْجِدَ الْأَحْزَابِ فَشَيَّعَهُ وَ دَعَا لَهُ وَ أَنْفَذَ مَعَهُ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ الْعِرَاقِ مُتَنَكِّباً عَنِ الطَّرِيقِ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِمْ غَيْرَ ذَلِكَ الْوَجْهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِمْ عَلَى طَرِيقٍ غَامِضَةٍ وَ اسْتَقْبَلَ الْوَادِيَ مِنْ فَمِهِ وَ كَانَ يَسِيرُ اللَّيْلَ وَ يَكْمُنُ النَّهَارَ فَلَمَّا قَرُبَ مِنَ الْوَادِي أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُخْفُوا حِسَّهُمْ[1] وَ وَقَفَهُمْ مَكَاناً وَ أَقَامَ أَمَامَهُمْ نَاحِيَةً مِنْهُمْ وَ رَأَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ صَنِيعَهُ فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّ الْفَتْحَ يَكُونُ لَهُ فَأَرَادَ إِفْسَادَ الْحَالِ وَ خَوَّفَ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ مِنْ وُحُوشِ الْوَادِي وَ ذِئَابِهِ وَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ أَنْ تَعْلُوَا الْوَادِيَ فَكَلَّمَا عَلِيّاً ع فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُجِبْهُمَا فَقَالَ عُمَرُ لَا نُضِيعُ أَنْفُسَنَا انْطَلِقُوا بِنَا نَعْلُو الْوَادِيَ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِنَّ النَّبِيَّ ص أَمَرَنَا أَنْ لَا نُخَالِفَ عَلِيّاً فَكَيْفَ نُخَالِفُهُ وَ نَسْمَعُ قَوْلَكَ فَمَا زَالُوا حَتَّى أَحَسَّ عَلِيٌّ الْفَجْرَ فَكَبَسَ الْقَوْمُ[2] وَ هُمْ غَافِلُونَ فَأَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ نَزَلَتْ وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً إِلَى آخِرِهَا.
[1] و في رواية الإرشاد« أن يعكموا الخيل».
[2] أي هجم عليهم من كل جانب.