اسم الکتاب : الفروق في اللغة المؤلف : أبو هلال العسكري الجزء : 1 صفحة : 83
خلاف النشدان فأخرج على مثاله يقال نشدت الضالة اذا طلبتها
نشدانا فاذا وجدتها قلت وجدتها وجدانا فلما صار مصدره موافقا لبناء النشدان استدل
على أن وجدت ههنا انما هو للضالة، و الادراك قد يكون لما يسبقك ألا ترى أنك تقول
وجدت الضالة و لا تقول أدركت الضالة و انما يقال أدركت الرجل اذا سبقك ثم اتبعته
فلحقته، و أصل الادراك في اللغة بلوغ الشيء و تمامه و منه ادراك الثمرة و ادراك
الغلام و ادراكك من تطلب يرجع الى هذا لانه مبلغ مرادك و منه قوله تعالى (قالَ
أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) و الدرك الحبل يقرن بحبل آخر ليبلغ ما
يحتاج الى بلوغه، و الدرك المنزلة لأنها مبلغ من تجعل له، ثم توسع في الادراك و
الوجدان فأجريا مجرى واحدا فقيل أدركته ببصري و وجدته ببصري و وجدت حجمه[1] بيدي و أدركت
حجمه بيدي و وجدته بسمعي و أدركته بسمعي و أدركت طعمه بفمي و وجدت طعمه بفمي و
أدركت ريحه بأنفي و وجدت ريحه بأنفي، و حد المتكلمون الادراك فقالوا هو ما يتجلى
به المدرك تجلي الظهور، ثم قيل يجد بمعنى يعلم و مصدره الوجود و ذلك معروف في
العربية و منه قول الشاعر:
أي علمته كذلك الا أنه
لا يقال للمعدوم موجود بمعنى أنه معلوم و ذلك أنك لا تسمى واجدا لما غاب عنك فان
علمته في الجملة فذلك في المعدوم أبعد و قال الله تعالى (يَجِدِ[3] اللَّهَ
غَفُوراً رَحِيماً) أي يعلمه كذلك و قيل يجدونه حاضرا فالوجود هو العلم
بالموجود، و سمي العالم بوجود الشيء واجدا له لا غير و هذا مما جرى على الشيء
اسم ما قاربه و كان من سببه، و من ههنا يفرق بين الوجود و العلم.