يهزلوا في أمر و لا نهي، كما هزلت معنا. و
لا يلعبوا بذلك كما لعبت به و بنا. فإنّ ذلك يحطّ من أقدار الملوك عند رعاياهم. و
يطرّق التهاون إلى امتثال أوامرهم و قضاياهم. لأن المأمور أو المنهيّ ربما حمل ذلك
في وقت الجدّ على عادة الهزل. فوقع بذلك الخلل الذي لا يستدركه الرأي الجزل. ثم
إنك- أيّها الملك- تواعدت[1] من تخلّفت
منا بوبيل النّكال[2]. و وعدت من
بادرت بجزيل النّوال. فلا أنت وفّيت للمحسن من الجزاء بموعوده. و لا أنت ألحقت
بالمسيء ما تواعدته به من العقاب على إساءته في مقصوده. و الملوك إذا لم يحقّقوا
الوعد و الوعيد سقط من القلوب وقع هيبتهم. و لم تسكن النّفوس عند الإحسان إلى حسن
مثوبتهم. و لم تخف عند الإساءة من سوء عقوبتهم. بل من عادة الملوك الأفاضل أن لا
يخلفوا وعدا و لا وعيدا[3]. و لا
يألوا في ذلك تغليظا و لا تشديدا.
فأعجب الملك ذلك من كلامها و استحسنه. و تدبّره بصافي فكره و تبيّنه.
فعلم أنه القول الصّدق. و تحقق أنه الرأي الحق.
و استرجحها و استنصحها و قدّمها و حكّمها لما استفصحها[4]. و فوّض إليها النظر في أمر قصره و
من فيه. و أطلق يد تصرّفها في خزائن ملكه و ما تحويه. و قد كان قبل ذلك مائلا إلى
غيرها، و كلفا بحبّها، مشغول القلب بها، لما كانت تظهره له من كلفها به و اشتغال
قلبها.
فلما بلغها تقديم الملك لهذه التي قدّمها، و تيقّنت أنها أول من
عليه