سَخِرُوا
مِنْهُ ...[1]. فهل كان ذلك منهم من دون أن يخبرهم نوح بنزول
العذاب و الطوفان، أو إنّهم كانوا يوغلون بالتكذيب و السخرية حتى بعد إخباره لهم
بمجيء الطوفان.
لا
يوجد تصريح في القرآن الكريم، و إن كنت أستقرب أن يكون ذلك بعد إخبار نوح لهم
بذلك، كما هو مقتضى الحال، و ما يفهم من بعض الآيات أنّ نوحا كان قد أخبرهم بنزول
العذاب ... فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ*
قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ[2].
و
يشير إلى ذلك ما كان يذكره نوح لهم في مقابل سخريتهم ...
قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ*
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ
مُقِيمٌ[3].
و
استمرت هذه الحرب النفسية الطويلة طيلة المدة التي كان يصنع فيها نوح عليه
السّلام- الفرد المحاصر قليل العدّة و العدد- السفينة العظيمة التي يريد أن يعدها
لهذه المهمة.
و
لعلّ هذه الفترة كانت من أصعب الاوقات التي مرّ بها الرسول (نوح عليه السّلام)؛
لأنّها كانت فترة المقاطعة الشاملة، و فترة الحرب النفسية الظالمة، و فترة
الانتظار و الترقب لنزول العذاب و تحقق الوعد الإلهي. و قد كان اللّه- تعالى- يرعى
نوحا بعينه التي لا تنام، و يسدده بالوحي، و يعلمه كيف يصنع السفينة في مراحلها