فيها
واستناموا عزائمهم عن القيام بها، حتّى كان ما ترى من أمرهم، وبلغوا إلى ما تجده
من تفرّق جامعتهم.
وإلى
اللَّه الضراعة وعلى أنفسنا اللائمة حتّى نعود إلى التمسّك بتلك الأسباب المحكمة
العُرى التي حفظتنا ردحاً من الدهر وما حفظناها، وانغمسنا في حمأة الضعة والخمول
ضائعين حينما وضعناها وأضعناها.
هذا،
وكما أنّ تشريع التكاليف والتعبّديات إنّما هو لتلك الغايات الشريفة والحِكم
العالية التي ألمعنا إلى أقلّ مراتبها وأدنى مقاماتها، فكذلك السعي والنشاط والجدّ
والجهد والعزيمة والثبات والمداومة على الطلب قد جعلها اللَّه (جلّ شأنه) أسباباً
للنجاح، وقرن بها حصول الغايات المطلوبة في سائر الأعمال، وصيّرها مجاريَ لرزقه
وتوفيقه ومفاتيحَ لأبواب رحمته.
فإنّ
العناية (جلّت حكمتها) قضت وأبت إلّاأن تكون الأُمور منوطة بالأسباب المتكانفة
والوسائط المترامية، وأن لا تحصل للإنسان غايةٌ إلّابالسعي إليها من أبوابها
وجرّها بسلسلة أسبابها.
فتراه
(جلّ شأنه) تكفّل بالرزق وضمن لخليقته أقواتها بأوقاتها، ولكنّه أمر بالسعي وحثّ
على العمل للدنيا، كما حثّ على العمل للآخرة سواءً بسواءٍ، حتّى ذكر (جلّ شأنه)
البطالة في معرض التعاسة والتنديد، وضربها مثلًا للتحقير والتنكيد، فقال (تعالى):
«وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى
شَيْءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ»[1].
ولمّا قال: «وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ»[2]
عقّبه رفعاً