وكيف
تحصل ثمراتها وتبعاتها ما لم تنضجها الفواعل وتعمل فيها العوامل؟!
قال
(جلّ شأنه): «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ
وَ الصَّابِرِينَ»[1]
وأمثالها، أي: نعلمهم موصوفين بهذه الصفة بحيث يترتّب عليها الجزاء. وأمّا قبل ذلك
الابتلاء فإنّه (جلّ شأنه) عَلمهم مستعدّين للمجاهدة والصبر صائرين إليها بعد حين،
والعلم لا يتبدّل ولا يتغيّر، وإنّما التغيّر في المعلوم، فتدبّر.
نعم،
وإذا ضربت الفكر في أعماق قوله (تعالى شأنه): «أَ
يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ* كَلَّا إِنَّا
خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ»[2]
يظهر لك في التكاليف سرٌّ عظيم وفلسفة جليلة.
والقصارى:
أنّ التكاليف والعبودية رياضات سرّية ومعالجات قسرية ومطرقة تُمرّن عليها صلابة
النفوس البشرية، لا بل هي تربية إلهية مهيّئة لانتقالها إلى أسمى المقامات وأسنى
الكرامات.
تلك
النطفة المنوية التي هي كأخسّ فضلات الإنسان كيف ترتقي إلى أن تصير عقلًا قادساً
وجوهراً مجرّداً وروحاً مكرّماً وخلقاً شريفاً؟!
كيف
تعرج من الدرك الأخسّ إلى مقامها الأقدس، وتنتقل من تلك الخسّة والقذارة إلى عالم
القدس والطهارة؟!
كيف
تخرج من طور الجمادية إلى نشأة ملكوتية بدون التصفية والتهذيب