وبعد هذا
كلّه، فقد ثبت- بمنّ اللَّه وفضله- ما أردنا إثباته من أنّه (جلّ شأنه وبهر
سلطانه) عالم بالأشياء بنفس ذاته لا بعلم زائد، وقادر على كلّ شيء لا بقدرة
زائدة، وسميع لا بسمع، وبصير لا ببصر، وفاعل لا بآلة، ومدرك لا بحاسّة: «ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ»[1].
ثمّ
إنّا وإن أطلنا الكلام في هذا المقام بما لا مزيد عليه في إيضاح المرام، ولكن بعدُ
هنا مباحث ومطالب جليلة فيها خيرات حسان وفيوضات جزيلة، عدلنا عنها؛ حيث إنّ القصد
بالأصالة من وضع هذه الرسالة هو بيان خصوص ما يجب على عامّة المكلّفين اعتقاده
ويكفيهم في مقام التوحيد الذاتي والصفاتي والأفعالي أنّه (تعالى) واحد في الإلهية،
فرد في الربوبية، أحديُّ الذات، لا مجال فيه للتركيب والتأليف من الأجزاء
والأدوات، ولا سبيل لانتزاع الحدود منه والماهيّات، لا عقلًا ولا ذهناً ولا
خارجاً، وأنّه (عزّ ذكره) متّصف- على وحدته وبساطته- بكلّ جميل، منزّه مقدّس عن
كلّ قبيح، وأنّه لا مؤثّر في عوالم الوجود والإيجاد سواه.
وسبيل
ذلك كلّه يستبين من القول واليقين بوجوب وجوده ووحدانيته.
وقد
صفّينا لك من سجال المعارف الإلهية هنا نميراً غدِقاً ومنهلًا مروّقاً، ووصفنا لك
من نعوت التوحيد كلّ قريب وبعيد، واستقدناك إلى غاية من طرق أدلّته الثلاثة التي
لا أحسب خفاء تطبيقها عليك. نعم، لو أردت الترقّي في مدارج اليقين والمعرفة
والعروج في تلك المعارج من غرفة إلى غرفة، فعليك- بعد الإخلاص والمحافظة على آداب