responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدين و الإسلام أو الدعوة الإسلامية المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ محمد حسين    الجزء : 1  صفحة : 228

ثمّ إنّ العناية (جلّ تقديسها) بعد أن منحت الإنسان تلك النعمة العظمى وذلك الجوهر المقدّس- ألا وهو حرّية الاختيار- لم تهمله وشأنه وتتركه ونفسه، فيتردّى- بجهله وسوء اختياره- في مهاوي الهلكة المؤبّدة، ويكون منحه الاختيار مع جهله كدفع السلاح إلى الطفل مع إهماله.

كلّا، بل لم تزل عين المراقبة تحوطه وترصده، وعواطف الإشفاق والحنان تسعده على سلوك سبل الخير والنجاة وترفده، فبعثت الرسل إليه، ونشرت الكتب بين يديه، وسنّت له القوانين، وشرّعت له الشرائع، واستظهرت بالإعذار والإنذار والوعد والوعيد والجنّة والنار.

كلّ ذلك تعديلًا واستدراكاً لتلك المنحة الجوهرية، وأخذاً به إلى جانب الخير، وإبعاداً له عن هاوية الشرّ. ولكن باختياره؛ ليكون ذلك أسمى له وأسنى وأبقى لاستحقاقه مراتب الكرامة ووسامات المجد والشرف دون ما إذا أُجبر على الخير، فإنّه- عند ذلك- كالحجر في قبضة صاحبه، أين ما شاء وضعه، موضع سوء أو إحسان، وكيفما وضعه، فالحمد والذمّ له لا للحجر، ولكن: «قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ»[1] وأشدّه!

كلّ تلك العنايات والألطاف والتدابير الباهرة لم تنجع فيه ولم تعمل إلّافي أقلّه، وبالرغم على كلّ تلك المسعفات الجاذبة إلى مناحي السعادة أبى إلّاالميل مع الهوى إلى مهاوي الشقاء.

لطفت العناية بالإنسان وأشفقت عليه إشفاق الأُمّ على جنينها، وحافظت عليه محافظة اليد على عيونها، فما حرّمت عليه شيئاً لصالحه إلّاوجعلت له‌


[1] سورة عبس 80: 17.

اسم الکتاب : الدين و الإسلام أو الدعوة الإسلامية المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ محمد حسين    الجزء : 1  صفحة : 228
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست