تمثيل
ذلك: أنّ تمكين اليد من القبض على السيف ووضع القوّة فيها على الضرب متى شاء ذو
اليد ما هو إلّاخير وإحسان من العناية إليه، ولكن اختيار الإنسان أن يستعمل هذه
القوّة في قتل النفس البريئة وإزهاق النفحة الإلهية من هذه الهياكل المحترمة- بما
أنّها صنع اللَّه- هو الشرّ والفساد في الأرض، غير أنّه لا يمسّ شرف العناية ولا
هو من صنعها أبداً، وإنّما كلّ الوزر فيه على سوء اختيار الإنسان، واستعماله
النعمة في الكفران والصالح في الفاسد، ووضعه الشيء في غير موضعه.
وهكذا
حال سائر القوى المودعة فيه، فإنّ جعل اللسان بحيث يقتدر على النطق والحركة متى
توجّهت الإرادة وتكهربت أسلاك العروق بسيّال المشيئة هو من أعظم النعم ومنح الخير
للإنسان، ولكن تحريكه بالسباب والبذاءة والإلحاد والإفساد والصدّ عن سبل الهدى إلى
مجاهل الضلال هذا هو الشرّ الناشئ من سوء الاختيار وخبث الجوهر:
«لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ»[1].
والسؤال:
بأنّ العناية لماذا خلقت الخبيث ولم تجعل كلّ نوع البشر من الطيّب؟ ما هو إلّاكالسؤال:
بأنّه لماذا خلقت الشوك ولم تجعل الكلّ ورداً؟
ولماذا
خلقت الملح ولم تجعله سكّراً؟ ولماذا خلقت الصبر ولم تجعله عسلًا؟
وتجد
جواب هذا على غاية ما يمكن من الشرح في مباحث الجبر والاختيار والقضاء والقدر من
آخر هذا الجزء، فراجع إذا شئت[2].